تؤكد سنة الحياة فى هذا الكون أن كل شىء يتغير فلا يبقى شىء على حاله، فلا نجاح دائمًا ولا فشل دائمًا، فالدوام لله سبحانه وتعالى، والدول جزء من هذا الكون لذا فمن الطبيعى أن تشهد خلال تاريخها تغييرات كثيرة ربما تكون نجاحات وربما تكون إخفاقات نتيجة تعرضها لبعض الأزمات والكبوات وربما النكبات والمآسى التى تؤدى إلى تدهور فى أوضاعها الأمنية أو السياسية أو الاقتصادية أو حتى المجتمعية والأخلاقية، وفى هذه الحالة يجب عليها ألا تقف مكتوفة الأيدى مستسلمة لواقعها المرير بل يجب عليها أن تحاول استعادة موضعها فى ركب الحضارة فى أقصر فترة زمنية ممكنة.. ولكى يتحقق ذلك لا بد أن يتوافر لديها مقومات النهضة، وبدلاً من الاهتمام بصغائر الأمور عليها أن تركز اهتمامها على عدة مبادئ مهمة، هى:
أولاً: الاهتمام بالمواطن وتنمية إحساسه بالانتماء إلى وطنه حتى يشعر كل فرد بالمسئولية تجاه وطنه ويرتبط به ويحبه ويحب أن يرتقى به إلى أعلى الدرجات مما يجعله حريصًا على مراقبة نفسه ومحاسبتها إن أخطأت، وبالتالى نقضى على الفساد والمفسدين.
ثانياً: الاهتمام بالعلم والعلماء والمثقفين والكتاب والمحللين والمبدعين، كل فى مجاله، فكلما كان المجتمع متعلمًا متفتحًا كان أقدر على تحقيق النهضة حيث سيتم من خلالهم تطوير المجتمع ونشر تعاليم الدين الصحيحة ومكارم الأخلاق وتصحيح المفاهيم المغلوطة.
ثالثاً: ربط برامج التعليم بمتطلبات سوق العمل وفق كل مرحلة من مراحل النمو والتنمية، وجعله قائماً على الإبداع والابتكار والحافز على التطور، لا مقتصراً على الحفظ والإطار النظرى.
رابعاً: الاهتمام بالعمل والإنتاج وتوفير فرص عمل للشباب وتحقيق الاكتفاء الذاتى فى الصناعة والزراعة والاهتمام ببث روح العمل الجماعى فالدولة التى يأكل ويلبس أولادها من إنتاجها لا يستطيع أحد أن يتحكم فى مصيرها أو يوجهها حيثما يشاء.
خامساً: تنفيذ خطة إصلاحية تشمل كل النواحى الاقتصادية والقضائية والاجتماعية والسياسية وعدم إغفال أو الاهتمام بجهة عن أخرى فالإصلاح الاقتصادى وحده مع إغفال الجانب الاجتماعى سيؤدى حتماً إلى نتائج خطيرة عكسية فى المجتمع تهدد بفشل الإصلاح نفسه وتخلق تناقضات وصراعات اجتماعية خطيرة.
سادساً: تأكيد وتفعيل دور المنظمات غير الحكومية كالنقابات والجمعيات الخيرية باعتبارها من أهم آليات النظام الجديد فى إحداث التوازن الاجتماعى، خاصة فى فترات التغيرات السريعة المتوقعة، فهى تعمل على تجميع الأفراد تحت مظلات اجتماعية كبيرة لحمايتهم ورفع المستوى الاجتماعى والمهنى لهم، وتستفيد من طاقات الشباب المعطلة وتبعث روح العطاء والعمل التطوعى.
مما سبق يتضح لنا أن طريق النهضة ليس صعباً ولا مستحيلاً، هو فقط يحتاج إلى بعض القلوب المحبة لوطنها الحريصة على رفعته وبعض الساسة الوطنيين الذين ينفذون الخطط الإصلاحية بدقة وقيادات وأحزاب جديدة مخلصة وقائد ملهم ذى رؤية مستنيرة وتخطيط فعال وفريق عمل محترف وتنفيذ محكم ومتابعة منتظمة وإعلاء للنظام والقانون، وقيم سلوكية إيجابية وتناغم مجتمعى بنّاء واحترام للإنسان وإطلاق لقدراته البشرية التى لا تعرف المستحيل.