تعرضت الصحافة المصرية لهجوم عنيف فى البرلمان استهدف جريدة «الأهرام»، وهى الجريدة الرسمية للدولة المصرية التى تتمتع بتقدير كبير، فهى أكبر المؤسسات الصحفية المصرية وتضم كبار الصحفيين والكتاب، حتى الذين يقودون التحرير فى صحف مستقلة واسعة الانتشار هم أصلاً ينتمون لـ«الأهرام» أو «الأخبار»؛ الصحيفتين الأكبر فى مصر، لم يتوقف الأمر عند هذا الحد، لكن استطال الهجوم وطال الكاتب الكبير إبراهيم عيسى وصحيفته «المقال»، وبلغ الأمر إلى حد التصويت على التقدم ببلاغ رسمى من البرلمان للنائب العام، وهذا تحرك خطير من قبل مجلس النواب الذى يمثل الشعب والحريص على احترام الحقوق والحريات ويدافع عنها ويقف أمام السلطة التنفيذية إذا أرادت التغول على الحريات الأساسية وعلى رأسها حرية التعبير.
منذ نشأة البرلمان المصرى وهو يتعرض للنقد بشكل دائم دون أن يتململ النواب أو قيادة البرلمان ونتذكر قبل ثورة يناير كيف كانت الصحافة تنتقد البرلمان والحكومة، وكان الخط الأحمر الوحيد هو رئيس الجمهورية، فعندما تناول إبراهيم عيسى صحة الرئيس فى مقال تم التحقيق معه وإحالته إلى المحكمة التى حكمت عليه بشهرين حبساً، وقبل التنفيذ عفا الرئيس السابق حسنى مبارك عن إبراهيم عيسى، وكانت جريدة الأخبار لديها كاريكاتير أساسى يرسمه الفنان مصطفى حسين ويكتبه الكاتب الكبير أحمد رجب، ويجلس فيه فلاح كفر الهنادوة على الأرض أمام الدكتور فتحى سرور وهو قاعد على كرسى فاخر ويحكى له تقول الواد ابن أبوسويلم عليه وكيف كان يرد عليه، وكان الكاريكاتير نفسه يتناول رئيس الوزراء وغيره من كبار رجال الدولة والوزراء، لم يشعر الدكتور فتحى سرور بالإهانة، وكان كلما يشير أى من الأعضاء إلى هذه الانتقادات ويطالب باتخاذ إجراءات، فكان رده هو أن هناك حق الرد، من يريد فليرسل رداً لكن لا يجوز تقييد حرية التعبير.
أحد أهم القيم والمبادئ الدستورية التى تستوجب على البرلمان أن يحترمها ويضعها فى أعلى المراتب هى حرية الرأى والتعبير وحرية الاعتقاد وفوق ذلك عدم جواز الحبس فى قضايا النشر وحق النقد، واعتبار أن النقد البناء هو أساس من أسس الحكم، فكل ما يكتب عن البرلمان هو ممارسة لحرية التعبير وحق النقد، فهى لا تستهدف إلا تحقيق المصلحة العامة وبهدف تنوير الرأى العام وتبصير البرلمان بالقضايا التى تهم المواطنين وتساعده لممارسة دوره الرقابى على الحكومة، فأغلب الوسائل البرلمانية للرقابة تعتمد على الصحافة والتقارير الصحفية فى التقدم بطلبات الإحاطة والأسئلة والاستجوابات وغيرها، ويكفى الإشارة إلى أهم تحقيق قام به البرلمان وهو تقصى الحقائق حول التلاعب فى توريد القمح، كانت القضية التى فجرتها الصحافة وغيرها من القضايا المهمة، فحرية التعبير تسهم لا شك فى الرقابة على الحكومة ومكافحة الفساد وحماية المال العام، وإزاء هذا الدور المهم فيجب احترام النقد حتى لو تجاوز فى اللغة أو التعبير أو الوصف، طالما كان بحسن النية وبغرض المصلحة العامة وهى أمور أساسية ومفترضة فى الصحافة والإعلام.
الحقيقة أن المراقب للأوضاع فى مصر يرصد بوضوح تراجعاً خطيراً فى الحريات الأساسية وحرية التعبير والحريات الإعلامية، فكم برنامج تم وقفه، فكلنا يتذكر محمود سعد، وريم ماجد، وإبراهيم عيسى، وحافظ المرازى، ويسرى فودة، صحيح أن أغلب هذه البرامج أوقفت بدون قرار حكومى، لكن لدى الرأى العام معلوم أنهم أخرجوا من الساحة الإعلامية بطرق غير مباشرة لكن لحساب السلطة.
لا أعتقد أن الإجراءات الأخيرة ضد الإعلاميين أو الصحفيين والمؤسسات الصحفية المستقلة أو الرسمية، مفيدة للسلطة أو الدولة ومؤسساتها بل على العكس، إن غياب أصوات متعددة وقمع الحريات ومحاولة تسيد صوت واحد ورأى واحد وفكر واحد هو محاولة فاشلة، فالحرية لا يمكن اغتيالها.