بـ5 جنيهات للجثة.. جمال يبتعد عن صخب الحياة ويسأل الموتى الدعاء لابنه
جمال
بعيدا عن صخب الحياة، اتخذ "المقابر" مقرا لعمله، ففي حضرة الموت تهون الصعاب تصبح ظروفه الصعبة "هينة"، وألم أبنه من مرض نادر وفراقه لزوجته وأولاده بالسنوات لجلب الرزق، حدث عرضي أمام كل جثمان داخل القبر.
"أمانة عليك.. ادعي لأبني يخف"، رسالة يحملها جمال عبدالعاطي، لكل ميت قبل دفنه، حسب أهالي القرية، غاضض النظر عن دينه مسلم كان أم مسيحي، فأمام الموت كلنا سواء.
بدأ مهنته منذ قرابة 15 عاما، ويعتبرها "الحاجة الوحيدة اللي بتخفف عنه الهموم"، مقابل 5 جنيهات للميت في مقابر قرية "الكراكات" بكفرالشيخ.
في البداية لم يتقبل أهل القرية فكرة أن يدفن "جمال"، موتى المسيحيين، لكونه مسلماً في المقابر، إلى أن اعتادوا على وجوده، وباتوا يبحثون عنه في كل دفن ميت، وفي نفس الوقت يساعدونه على المعيشة، فهو مسؤول عن زوجة وطفلين منهم ابن مريض حسب وصفه.
ويقول: "في البلد عندنا مقابر واحدة للمسلمين والمسيحين، وأنا دوري هو المساعدة في دفن الميت أي كانت ديانته، لأن الدين لله واحدة، والفرق الوحيد بينا أن المسلم بيتغسل ويدفن متكفن، لكن المسيحي بيغسلوا جسده وبيدفن وهو لابس أحسن لبس عنده أو ملابس جديدة، وفي الحالتين أسرهم بيدعوا ليهم بالرحمة وبيصلوا عليهم".
يتوافد الزوار على المقابر منذ الفجر وحتى العصر، حيث تنتهي تصاريح الدفن، وطوال تلك الفترة يطلبه الناس بالاسم رغم وجود مساعدين في الدفن كثيرين بالمقابر على حد قوله: "ده أكل عيشي، ده غير أن دفن الميت فيه ثواب كبير عند ربنا، وبدأت اشتغل في المهنة دي بعد ما ابني محمد اتولد بمرض نادر، وبقى عنده 16 سنة ودلوقتي عامل زي الأطفال مبيقدرش يتكلم ولا يتحرك خالص، فبدعي مع كل دفن ميت أنه يدعيله ربنا يشفيه".
الشهرة الواسعة التي اكتسبها بين زوار وأهالي مقابر كفر الشيخ، سهلت عليه مهمته اليومية، ودفعته إلى تطوير نفسه في المهنة، فضلاً عن تحديد أجرة ثابتة لمساعدة دفن المتوفي بكل ثقة ودون جدال: "باخد 5 جنيه في الميت، والحمد لله الناس بترتاح ليا لأن مش بهين الميت وبشيله بنفسي وبدفنه بأيدي ومبمنعش أي حد ينزل يشوف الميت وهو بيدفن، وأهي ماشية ببركة ربنا وربنا يشفي ابني من مرضه ويجعله في ميزان حسناتي".