جلسة عرفية تغرّم أسرة قتيل ليبيا 330 ألف جنيه: «موت وخراب ديار»
والدة القتيل
على ضفاف النيل، فى قرية «برمبال» الفقيرة التابعة لمحافظة كفر الشيخ، وبالقرب من مرقد جسد نجله القتيل، جلس عدد من أكابر القرى ونصبوا جلسة عرفية، أوقعوا عليه الخطأ، وحملوه ما لا طاقة له به، أجبروه على التوقيع على شيكات بدون رصيد، يصل مجموعها إلى 330 ألف جنيه، ليكون لسان حاله: «موت وخراب ديار». «فريد فليفل» والد «حمادة فليفل»، أحد ضحايا العنف فى ليبيا، أصبح يعيش بين شقى الرحى، بين قلبه المعتصر على فقدان نجله، وبين السجن الذى يهدده، بعد جلسة عرفية قضت بتغريمه هذا المبلغ المالى الكبير، بعدما قتل نجله على أيدى إحدى العصابات الليبية، ومعه صديقه الليبى، وأخذت من «حمادة» أموالاً خاصة بزملائه من العمال العاملين فى ليبيا. فى ليلة سوداء، وخلال عودة «حمادة» إلى منزله فى طرابلس، وبرفقته شريكه الليبى، الذى كان موكلاً بإيصال مبالغ مالية لذوى عدد من العمال المصريين من أهل قرية «برمبال»، عن طريق وسطاء، خرج عليهما عدد من الملثمين وذبحوهما، وألقوا بهما على قارعة الطريق، وسرقوا كل ما بحوزتهما من أموال.
عصابة قتلت «حمادة» وصديقه الليبى وسرقت أموالاً تخص عمالاً مصريين هناك.. وأسرهم يجبرون والده على توقيع شيكات
وبدأت مأساة «حمادة»، عندما قرر السير على درب والده فى السفر إلى الخارج فى الظروف الصعبة التى تمر بها البلاد، وحاجته لتوفير المال المناسب للزواج، فتوجه إلى ليبيا للعمل منذ عامين، فى أحد محال الطعام، وبعد عام، لم يجد طريقة آمنة لإرسال ما يجمعه من أموال لأسرته، حتى أقنعه «خالد»، ليبى الجنسية، صاحب المطعم الذى يعمل به بأن لديه طريقة من خلال وسطاء مصريين وليبيين، يستطيع من خلالهم تهريب الأموال لمصر، وبالفعل بدأ فى إرسال كل ما تطوله يده من أموال لأسرته عن طريق «خالد» صاحب المحل، حسب رواية شقيقته أحلام.
تقول شقيقته «أحلام»: «عرف زمايله المصريين اللى كانوا عايشين معاه فى الحوش بالسكة ديه، فطلبوا منه مساعدته فى إرسال أموالهم لأسرهم فى قريته برمبال، فلم يتردد وأصبح يجمع منهم الأموال ويعطيها لصاحب المطعم «الليبى» خالد، حيث يرسلها بطريقته لمصر.
يخرج «الأب فريد» عن صمته. يقول إن جثمان ابنه عائد ومعه شنطة واحدة فيها بعض ملابسه، يحضر الحقيبة، يفرغ ما فيها على الأرض، ويقول: «ده كل اللى رجع مع ابنى.. مصحف وشوية هدوم وبس.. الفلوس كلها اتسرقت». أيام مرت على الوفاة، حتى فوجئ الأب باقتحام أسر المصريين فى ليبيا لمنزله، مطالبين بالأموال التى سُرقت، أحضر لهم «فريد» نفس الحقيبة، وأفرغ لهم ما فيها، ولكن دون جدوى، لم يصدقوه، طالبوه بكل ما جمعه أولادهم فى الغربة. يقولون له إنه سرق تلك الأموال، وبنى بها ذلك المنزل. يقول لهم إن ابنه قتل وسرقت كل الأموال. يصيح فيهم، ولكنهم رفضوا المغادرة وحاصروا المنزل. استمر حصار أسر المصريين فى ليبيا لمنزل «حمادة» لأيام بأطفالهم ونسائهم، فى الوقت الذى توجه فيه بعضهم فى ليبيا لمنزل خالد الليبى، حيث أطلق أشقاؤه عليهم النار قائلين حسب رواية «فريد»: «جايين تسألوا على فلوسكم، وإحنا منعرفش مين قتل أخونا»، ولم تكتف أسرة خالد الليبى بذلك، ولكن طلبت لهم الشرطة التى قبضت عليهم وأفرجت عنهم بعد أيام، حيث عادوا لمصر، لينضموا لأسرهم أمام منزل «حمادة».
لم يكتفوا بحصار المنزل، بل حسب رواية «فريد» هددوا بقتل نجله الآخر «إسلام»، وحفيده، إن لم يدفع لهم كل ما فقد من أموال، وهو ما أشعرهم بالخوف، فدفع الرجل بنجله نحو القاهرة، ليستقر فيها بعيداً عن تلك التهديدات، حتى تنتهى الأزمة، وانصاع لمطالبهم، حيث توجه معهم نحو قسم الشرطة.
ومن قسم الشرطة إلى النيابة التى أفرجت عنه، لعدم وجود دليل على تلقيه تلك الأموال، ولكن لم يقف الأهالى صامتين، فتدخل ضابط بقسم شرطة «مطابس»، تحتفظ «الوطن» باسمه، وطالبهم بعقد جلسة عرفية، وأجبروا الرجل على التوقيع على شيكات بدون رصيد وصلت لمبلغ 330 ألف جنيه، لتصبح حياة الرجل وأسرته ما بين «الموت وخراب الديار».
والد القتيل يستعرض ملابس ابنه