مكفوفون فى حضرة «الست»: «جايين نسمع»
خمسة فى الزحام، متلامسو الأكتاف، متلازمو الخطوات.. عشر أيدٍ تترابط وعشر أرجل تفسح لنفسها مكاناً على الأرض بلا عين واحدة: «إحنا مش نازلين نتفرج.. إحنا جايين نسمع»، لا يمتلكون سوى حاسة السمع التى تربطهم بعالمهم الخارجى التى جعلتهم يأتون لمولد رئيسة الديوان كعادتهم كل عام، عادل ومحمد ومختار وعبدالله وفؤاد.. خمسة أصدقاء جمعتهم الإعاقة وفرقتهم الانتخابات، ثم لم يلبث مولد السيدة زينب أن جمعهم مرة أخرى: «أنا انتخبت شفيق.. وأنا انتخبت مرسى.. وإحنا قاطعنا»، المقاطعة لم تكن قراراً ثورياً؛ لكنها كانت خياراً استراتيجياً: «يعنى ننتخب واحد ونخسر صاحبنا عشانه».
«الذكر والإنشاد دوا لروحنا، مش مهم نشوف إدينا بعيد عن المعاصى»، المولد لديهم حالة صوفية ترفعهم من الأرض لتجعل أرواحهم تسمو لعنان السماء، فترى ما لا تراه على الأرض.
«مَولاى صَلِّ وسَلِّمْ دَائِماً أَبَداً
عَلَى الْمُحِبِّينَ لِلْمُخْتَارِ كُلِّهِم
أَمِنْ تَذَكُّرِ جِيْرَانٍ بِذِى سَلَمٍ
مَزَجْتَ دَمْعاً جَرٰى مِن مُّقْلَةٍ بِدَمِ»
كلمات بردة البوصيرى تنسيهم أنهم لا يرون.. تتأرجح أجسادهم يمينا ويسارا فى هذا الجو الصوفى فى انتظار أن تهدأ الأنفاس وتسكت الأصوات، فبهذا وحده يعرفون أن «المولد انفض».
«قصر النور للمكفوفين» هو مكان عمل هؤلاء الخمسة: يحيى ذو السابعة والثلاثون عامل فى مطبعة القصر التى تطبع كتباً دراسية بطريقة «برايل» فهو المتعلم الوحيد والحاصل على دبلوم تجارى، أما بقيتهم، فعملهم فى صناعة الأدوات البلاستيكية وأدوات النظافة داخل القصر أيضاً.
«يحيى الزعيم» هو قائد المسيرة داخل المولد، يقفون حين يريد أن يقف ويجلسون حين يريد أن يجلس، فهو المتعلم بينهم والمتحدث باسمهم: «نفسنا فى رئيس يحمى البلد ويراعى ربنا.. مش عايزين حاجة لينا.. لو عمل كده كلنا هنعيش كويس حتى لو مش بنشوف».