بروفايل| "طلعت الشايب".. الحضارة حاضرة بترجماته
طلعت الشايب
يدين له الكثيرون بالفضل في قراءة مئات الكتب الأجنبية، التي أثرى المكتبة العربية بترجمته لها، وانشغل بتوصيل الفكر الغربي للقارئ العربي بشكل بسيط لا ينقصه العمق، واهتم بنقل ما أسماه "صدام الحضارات" الذي أظهر اختلاف الثقافات بين قاطني العالم، ولم ينس نصيبه من ترجمة الروايات الأدبية التاريخية، التي يحصل قارئها على القيمة قبل متعته الروحية، ليرحل "طلعت الشايب"، بعد أن أصبح أحد أركان الترجمة في الوطن العربي، واستمر محاورا ومجادلا ومنشغلا بتثقيف ذويه حتى لحظاته الأخيرة من عمره.
"الأبيض المتوسط".. كان ذلك هو اسم آخر كتاب وُضع عليه اسم "طلعت الشايب"، مترجما وناقلا لتاريخ البحر الأبيض المتوسط الذي "ليس كمثله بحر"، يقابله مؤلف آخر وضعه ذلك المثقف الكبير بعنوان: "أصوات الضمير"، أودّع فيه 50 قصيدة من روائع الشعر العالمي، قذف بها أصحابها في وجه العنف والإرهاب بأشكالهما.
إسهامات المترجم الراحل في تجسيد التفاوت بين الحضارات، ظهرت في كتاب بعنوان "صدام الحضارات وإعادة صنع النظام العالمي"، من تأليف "سامويل هانتينجتون"، كشف فيه عن رغبة الفكر الأمريكي في صناعة وحدة ثقافية غربية تحت قيادة أمريكية، قبل أن يضع ترجمته الأشهر بعنوان "الحرب الباردة الثقافية"، كشف فيه مشروع "مارشال"، الذي تبنّته أمريكا عقب انتهاء الحرب العالمية الثانية، في محاولة منها لتشدين صفوف مناصرة لمشروعها نحو الهيمنة على العالم، في مقابل مناهضة الفكر الشيوعيّ.
كتابان آخران تقف عندهما المكتبة العربية طويلا بعد ترجمة "الشايب" لهما، أحدهما بعنوان قضية "المثقفين" من تأليف "بول جونسون"، وثانيهما يسلط الضوء على قضية "الاستشراق الأمريكي"، من تأليف الأمريكي دوجلاس ليتيل، وهو "فرصة لاستكشاف الخطأ في سياسة الولايات المتحدة في الشرق الأوسط في الفترة من سبتمبر 2001 إلى سبتمبر 2007"، وفقا لمؤلفه.
الروايات، التي وضع الموسوعي ترجماتها، لا تقل أهمية عن سابقيها، فتلك رواية أدبية بعنوان "بقايا اليوم"، ترجمها "الشايب" من تأليف "كازورو إيشيجورو"، وتحكي عن رئيس للخدم يعمل في قصر إنجليزي عريق، ويرى أن خدمته للإنسانية تتجسد في تسخير كفاءته وقدرته لخدمة رجل عظيم، ثم رواية أخرى بعنوان: "عاري أمام الآلهة"، ترجمها "الشايب" من تأليف "شيف كومار"، تنقل مشاعر "مغترب" عن الوطن والشك والإيمان والحب والجحود.
من يفني حياته في الغوص داخل أعماق دروب الثقافة المختلفة، لا يبعد عنه إنهاء ساعات عمره الأخيرة في صالون ثقافي بمسقط رأسه، في دمياط، حيث جلس المترجم "طلعت الشايب" يرد على الأسئلة ويستمع إلى الآراء المختلفة في الجلسة التي عرّفها دائما بـ"قاعدة الجمعة"، قبل أن يلفظ أنفاسه الأخيرة، مساء أمس، بين أصدقائه وتلامذته تاركا لهم إرثا لا يعرف قيمته سوى عاشقي المعرفة.