كنت قد شرعت فى كتابة مقال هذا الأسبوع بعنوان «دستور.. يا أسيادنا» لعرض تقييم موضوعى لما لم ينجزه مجلس النواب «الموقر» طوال خمسة عشر شهراً انقضت من يوم بدأ اجتماعاته يوم العاشر من يناير 2016!
ولكن صدمتنى كما صدمت كل المصريين الهجمة الإرهابية على كنيسة طنطا ثم الكنيسة المرقسية فى الإسكندرية، وما أسفرت عنه من عشرات الشهداء والمصابين فى يوم يقدسه الأخوة المسيحيون، وهو بداية «أسبوع الآلام» الذى يسبق عيد القيامة! وما أظن أن تلك الأيام المقدسة لمسيحيى مصر كانت مفاجأة للمسئولين، كما برر أحد وزراء مصر السابقين والفاشلين فى آن واحد عجز السلع التموينية فى الأسواق بأنه قد «فوجئ» بحلول شهر رمضان!!!
لذا قررت أن أوجه مقال اليوم إلى المصريين الذين اعتادوا عدم تقبل العزاء فى موتاهم أو مصابهم مهما كان الألم والفجيعة إلا بعد أن يقتصوا من الجناة الذى حرموهم من أعزائهم وأحبائهم! لذلك جعلت عنوان المقال «ولا عزاء للمصريين».
لا عزاء للمصريين فى ثورتهم الأولى فى 25 يناير 2011 التى استولت عليها جماعة لا وطنية ولا تعترف بمصر كوطن وصرح مرشدهم فى يوم من الأيام أن لا مانع لديه ولدى جماعته إن حكم مصر غير مصرى من أعضاء جماعته وتنظيمها الدولى، ولا عزاء للمصريين فى ثورتهم الثانية فى 30 يونيو 2013 التى ضيعها المنافقون والمتسلقون، وهد أركانها الفساد والفشل الإدارى وانعدام الرؤية السياسية وتواضع الخبرة والكفاءة المجتمعية، إلى الحد الذى باتت أخبار المفسدين والمرتشين والوصوليين تملأ صفحات الصحف وبرامج التليفزيون المتهافتة!
ولا عزاء للمصريين فى دستورهم الذى احتشدوا يوم الاستفتاء العام ووافقوا عليه بأغلبية غير مسبوقة، ثم إذا بهم يشهدون ذلك الدستور مجمداً ومحنطاً لم يتم تفعيله ولا اهتمت الدولة بسلطاتها الثلاث بالنظر فى مواده ومقاصده التى إن تم الالتفات إليها سيكون فيه الخير الكثير!
ولا عزاء للمصريين حين يرون دستورهم يهان ويحاول بعض نوابهم تغييره وهم الذين انتخبوهم ليدافعوا عنه، فإذا بهم يغيرون صيغة القسم التى نص عليها الدستور قبل أن يمارسوا أعمالهم فى البرلمان، ويمر هذا التصرف مرور الكرام دون مساءلة! وكيف يمكن للمصريين تقبل العزاء فى دستورهم وهم يشاهدون محاولات تعديله وتغيير مقاصده حتى من قبل أن يبدأ تنفيذه، وتلك المحاولات لا تستهدف صالح الوطن ولا المواطنين، ولكنها تتم تقرباً ونفاقاً لرئيس الجمهورية بمحاولة إطالة مدة الفترة الرئاسية من 4 سنوات إلى 5 أو 6 سنوات، أيضاً زيادة عدد الفترات الرئاسية من اثنتين كما نص الدستور إلى ثلاث أو يزيد كما فعل منافقو عصر الرئيس الراحل السادات حين يغيروا حرفاً واحداً فى المادة 77 من دستور 1971 فتم تغيير مرات الرئاسة من «مدة» إلى «مدد»! ولا عزاء للمصريين فى حكومتهم التى تتخذ «القرارات الصعبة» ثم بعد ذلك تحاول تبين آثارها الكارثية على الوطن والمواطنين، وعادة ما تفشل فى تلك المحاولات ويصبح المواطنون فريسة للغلاء الفاحش ونقص السلع فى الأسواق وانعدام الرقابة، وتردى الخدمات العامة وسوء الإدارة والتعامل مع المواطنين فى مختلف أجهزة الدولة، ولا يسمع المواطنون سوى تصريحات جوفاء وكلمات رنانة فقدت معانيها من كثرة الاستخدام، ومنها «المنظومة» و«الاستراتيجية» و«الحوار المجتمعى» و«الاجتماعات الوزارية وما فوقها وما أدنى منها»، ولا يحصل المصريون فى نهاية تلك الألفاظ الفخيمة على شىء له معنى! ولا عزاء للمصريين فى أجهزة ومؤسسات دولتهم التى هى من أقدم الحضارات ذات التاريخ الطويل فى فنون العمارة والتشييد والعلوم التى توصل إليها الأجداد والآباء من آلاف السنين، ثم إذا بهم يعيشون فى عشوائيات يفتقرون فيها إلى أدنى معايير الحياة الآدمية، تختلط المياه التى يشربها ملايين منهم بمياه الصرف الصحى والتى تستخدم أيضاً فى رى زراعات ومحاصيل الأصل فيها أن تكون صالحة للاستخدام البشرى، ويفاجأ المصريون أن دولاً مهمة تمنع دخول المنتجات الزراعية إلى أسواقها حماية لمواطنيها من الأمراض! ولا عزاء للمصريين فى مجلس نوابهم الذى احتفل منذ شهور قليلة بمرور مائة وخمسين سنة من الحياة النيابية فى مصر التى كانت محروسة، فإذا بالمجلس «الموقر» هو أول من يمتنع عن تنفيذ حكم نهائى وبات واجب التنفيذ ولا يُقبل الطعن عليه صادر من محكمة النقض التى عهد إليها الدستور بالفصل فى صحة عضوية أعضائه، ويكرر بذلك المقولة التى اشتهر بها رئيس مجلس الشعب أيام السادات د. رفعت المحجوب «أن المجلس سيد قراره»، ولا عزاء للمصريين فى مليارات الجنيهات التى ينفقها المجلس «الموقر» بلا عائد، وقد مضى على تشكيله قرابة العام ونصف ولم يوف حتى بما ألزمه به الدستور فى المادة 241 أن يصدر فى أول دور انعقاد له قانوناً للعدالة الانتقالية!! ولا عزاء للمصريين فى مجلس نوابهم «الموقر» الذى لم يمارس صلاحياته الدستورية التى نصت عليها المادة 101، سواء فى التشريع أو إقرار السياسة العامة للدولة، وإقرار الموازنة العامة وخطة التنمية الاقتصادية والاجتماعية، أو فى الرقابة على السلطة التنفيذية! وقد قبل المجلس «الموقر» أن توقع الحكومة اتفاقها الشهير مع صندوق النقد الدولى دون العرض عليه وموافقته كما تنص على ذلك المادة 127 من الدستور، التى جاء نصها أنه «لا يجوز للسلطة التنفيذية الاقتراض، أو الحصول على تمويل، أو الارتباط بمشروع غير مدرج فى الموازنة العامة المعتمدة يترتب عليه إنفاق مبالغ من الخزانة العامة للدولة لمدة مقبلة، إلا بعد موافقة مجلس النواب»، ولا عزاء للمصريين فى مجلس نوابهم «الموقر» الذى كان إنجازه فى فصل أعضائه أوضح من إنجازه فى مجال التشريع، إذ فصل عضوين من أعضائه وقبل استقالة الثالث، وأحال عدداً معتبراً منهم إلى لجنة القيم تمهيداً لفصلهم إذا شاء الله، فى حين أنه لم ينجز سوى أقل من ثلاثين تشريعاً من ضمن أكثر من مائة تشريع من الواجب إصدارها تفعيلاً للدستور «المجمد» أو «المحنط»، حتى تعديلات قانون الإجراءات الجنائية لم تصدر، التى كان قد طالب بها الرئيس يوم تشييع جنازة النائب العام الشهيد المستشار هشام بركات يوم 29 يونيو 2016 مطالباً بالعدالة الناجزة لمعاقبة من يرتكبون مثل تلك الجرائم الإرهابية، وكان لا بد من تكرار الجرائم الإرهابية مثل حادث اليوم 9 أبريل 2017 حتى يتذكر المجلس «الموقر» تلك التعديلات، ويصرح أحد النواب فى مداخلة تليفزيونية بأن المجلس سوف يناقشها ويصدرها فى خلال أيام قليلة بعد أن انقضت تسعة أشهر دون أن ترى النور!!!!!
ولا عزاء للمصريين فى إعلامهم والكثير من إعلامييهم الذين ينطبق عليهم قول الحق سبحانه وتعالى «الْمُنَافِقُونَ وَالْمُنَافِقَاتُ بَعْضُهُم مِّن بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمُنكَرِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمَعْرُوفِ وَيَقْبِضُونَ أَيْدِيَهُمْ نَسُوا اللَّهَ فَنَسِيَهُمْ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ هُمُ الْفَاسِقُونَ * وَعَدَ اللَّهُ الْمُنَافِقِينَ وَالْمُنَافِقَاتِ وَالْكُفَّارَ نَارَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا هِى حَسْبُهُمْ وَلَعَنَهُمُ اللَّهُ وَلَهُمْ عَذَابٌ مُّقِيمٌ» (67 - 68) التوبة.
ولا عزاء للمصريين فى شهدائهم وأوضاعهم التعسة إلى أن يقضى الله أمراً كان مفعولاً!