سوهاج: غلاء الخامات يقضى على صناعة «النسيج اليدوى» بعد 500 عام من الازدهار
صناعة النسيج اليدوى تضرب بجذورها فى التاريخ ويعمل بها مئات الأسر منذ 500 عام
صناعة النسيج اليدوى بمدينة أخميم، شرق محافظة سوهاج، تضرب بجذورها فى التاريخ، حيث يعمل عدد كبير من الأسر فى تلك الصناعة التى ورثوها عن آبائهم وأجدادهم منذ أكثر من 500 عام، ومدينة أخميم الصعيدية راجت شهرتها فى صناعة النسيج اليدوى، الذى يتم تصنيعه بواسطة الأنوال الخشبية داخل البيوت، وبمعرفة أفراد الأسرة، ولا يزال العاملون فى تلك المهنة يحافظون على تراث أجدادهم رغم الصعوبات التى يمرون بها، ومشاكلهم التى لا حصر لها فى عملية تسويق منتجاتهم، وضيق ذات اليد الذى يحرمهم من شراء المواد الخام التى يحتاجونها فى عملية التصنيع.
ورغم الصعوبات التى تمر بها الصناعة فإن هناك شهرة محلية وعالمية للنسيج اليدوى الأخميمى، وهناك معارض دولية يشاركون بها لعرض إبداعاتهم الفنية، وهناك سائحون يحضرون للمنطقة لشراء احتياجاتهم من النسيج اليدوى، لما له من شهرة عالمية، وذوق راقٍ يندر أن يجدوه فى مناطق أخرى.
النساجون يناشدون الحكومة توفير معارض لتسويق المنتجات
وقد تنوعت منتجاتهم النسيجية وأصبحت غاية فى الروعة والجمال جذبت العديد من المواطنين من داخل وخارج مصر على حد سواء، وشمل إنتاجهم «كوفرتات ومفارش السرير والسفرة والشيلان والطرح والفساتين والستائر»، وهناك روايات منتشرة بين أبناء المنطقة أن مهنتهم كانت قائمة منذ أيام الفراعنة وتلك الأنوال التى يعملون عليها هى من تصميم أجدادهم الفراعنة.
وعلى الرغم من قيام الحكومة الكندية فى عام 1995 بمد يد العون لتلك الصناعة بالتنسيق مع الحكومة، حيث تم إقامة قرية للنسيج اليدوى بمنطقة حى الكوثر شرق مدينة أخميم للحفاظ على تلك الصناعة، فإن الحكومة المصرية تركت الأسر تواجه صعوبات فى عملية شراء المواد الخام وعملية التسويق وعزفت عن تقديم يد العون أو البحث فى المشاكل التى يواجهها أصحاب تلك الحرفة، على الرغم من الشهرة الكبيرة لتلك الصناعة فى الدول الأوروبية، حتى أصبح عدد من السائحين الأجانب يحضرون للمنطقة لشراء احتياجاتهم من داخل منازل النساجين، ويظل أصحاب تلك الحرفة يواجهون التحديات والصعاب لكن من المرجح أن تعصف بهم الرياح وتجعلهم يعزفون عن صناعتهم، بعد أن هجرها أكثر من 70% بسبب الإهمال الواضح من الحكومة، فهل تنجح الدولة فى الحفاظ على تلك المهنة وإعادتها لسابق عهدها، خاصة أنها مصدر الرزق الوحيد لأهالى المنطقة، وإنتاجها يصعب أن تجده فى مكان آخر لجودته ودقته وجماله؟!
محمد حمدان الدقيشى، رئيس مجلس أمناء مؤسسة الفراعنة التابعة لمديرية التضامن الاجتماعى، يؤكد لـ«الوطن» أن هناك صعوبات كثيرة تواجه صناعة النسيج اليدوى، حيث هجر المهنة أكثر من 70% من العاملين فيها، بعد أن لاحقتهم الهموم والمشاكل وتحولت القريتان اللتان تم إنشاؤهما لصناعة النسيج إلى مجرد مساكن فقط بعد أن ترك المهنة العديد من عشاقها، ويشير إلى أنه تم وضع خطة بمعرفة المسئولين فى المحافظة وبمشاركة المعنيين بهذه الصناعة وتطويرها من قطاع التعليم الفنى بالتربية والتعليم ورئاسة حى الكوثر والمدرسة الثانوية النسيجية بحى الكوثر ومركز تحديث الصناعة؛ لوضع برنامج للنهوض بهذه الصناعة وتطويرها، بالإضافة إلى قيام مؤسسة الفراعنة بعمل مبادرة تحت إشراف وزارة التضامن الاجتماعى لتدريب 1000 شخص على صناعة المنسوجات اليدوية وجميع من تم تدريبهم يعملون الآن فى تلك المهنة التى تتصف بالذوق الراقى. ويضيف «الدقيشى»: فكرة إنشاء قرية النساجين بحى الكوثر التابعة لمدينة أخميم كانت فى عام 1995، وذلك بعد أن تعرضت الصناعة لخطر الاندثار وتراجعت صناعة النسيج اليدوى التى عانت الإهمال من قبَل المسئولين فى الدولة، واتجهت محافظة سوهاج بالتعاون مع البنك الدولى لإنشاء قرية النساجين الأولى بحى الكوثر لنقل الراغبين فى الاستمرار فى صناعة النسيج فى هذه القرية، وعلى مدى 22 عاماً لم تحدث أى تنمية بهذه القرية بسبب الإهمال الواضح من المسئولين فى المحافظة، وعدم توافر الخدمات لأهالى القرية، وهجر الكثير من الأهالى منازلهم، ومنهم من أغلقها ورحل، ومنهم من قام بتأجيرها إلى آخرين تاركين وراءهم حرفتهم التى ورثوها عن آبائهم وأجدادهم.
وأضاف «الدقيشى»: «فى عام 2005 تم إنشاء قرية ثانية للنسيج اليدوى، أكثر تطوراً من القرية الأولى، على بعد 3 كيلو من قرية النسيج الأولى، وكان تمويل بناء المساكن من البنك الدولى، لكن واجه الأهالى مشكلة أن المساكن بنظام التمليك، ولم يكن لدى البعض من أصحاب تلك المهن رأس المال ليدفعوه مقدمات فى تلك المساكن».
ويقول بكر بخيت، مدير مشروع القروض للأسر المنتجة بمؤسسة الفراعنة، إن هناك عدة مشاكل يعانى منها الصناع وهى عدم وجود أنوال فى عدد كبير من الوحدات تصل إلى 120 نولاً، نظراً لعدم قدرة تلك الأسر على توفير قيمة النول، وطبقاً لدراسة فإن قيمة النول تصل إلى 5 آلاف جنيه، وعدم وجود خدمات صحية وتعليمية فى القريتين.
ويقول الأسطى حسين «نواّل من جيل الوسط فى المهنة»: «مهنتى ورثتها أباً عن جد، وأنا متخصص فى صناعة الكوفرتا الأطلس -الكوفرتا ذات النقوش- وبعمل شغل متميز وفريد ومفيش كتير بيعرفوا يعملوه، وأنا صاحب ذوق راقى فى اختيار ألوان الكوفرتا»، ويكمل: «مش بس أنا اللى بشتغل على النول، دا باقى أفراد أسرتى كمان شغالين معايا وبيساعدونى فى ملء المواسير بالخيط اللى بستخدمه فى اللحام، وكمان بيساعدونى فى الشغل على النول، وأنا قدرت أعدى الظروف الصعبة اللى مرت بيها الصناعة بفضل مساعدة مؤسسة الفراعنة الخيرية ولولاهم كان زمانى سايب مهنة أجدادى». أما الأسطى ثروت كامل، من قدامى النساجين بالقرية، فيقول: «أنا بعمل فى القرية من 20 سنة فاتت والمهنة ورثتها عن والدى ووالدى ورثها عن جده، وأنا سبت البيت اللى كنت ساكن فيه فى مدينة أخميم وجيت قرية النساجين علشان أنا حابب المهنة وعايز آكل عيش، والعمل فى صناعة النسيج سهل مش صعب زى ما الناس معتقدة، لكن أهم حاجة يكون الصانع صاحب فن وذوق»، ويكمل: «المهنة فيها صعوبات كتيرة لأن الأسعار ارتفعت بشكل كبير والدولة مش بتساعد حد وأنا عارف ناس كتير سابت الصناعة وراحوا اشتروا تكاتك شغالين عليها وبيقولوا بنكسب أحسن من العمل فى النسيج، لكن الدولة لو ما لحقتش الصناعة يبقى عليه العوض ومنه العوض فى تراث أجدادنا».