فى مقال اليوم أجيب عن سؤال محورى وهو لماذا يبحث المصريون عن الديمقراطية؟ ولماذا يصرون على تطبيقها وتحقيق مقاصدها؟ كنت قد تمنيت على الله أن يوفق الرئيس المنتخب بإرادة الشعب للاهتمام بإعادة بناء الوطن والتأسيس لمستقبله، وذلك بعد عام من حكم الجماعة الإرهابية، وأن يجتهد فى عرض صورة واضحة ورؤية متكاملة للوطن كما يتمناها المصريون، وتفعيل الدستور ومواده التى تحدد التزامات الدولة وكل القضايا التى ألزم الدستور الدولة الوفاء بها، وكنت قد تمنيت على الرئيس تحديد خطة عمل عاجلة «سنة» تلتزم بها الحكومة، تركز على الأولويات الملحة دون التغوُّل على فرص الحل العلمى للمشكلات الأكثر إلحاحاً؛ ثم ترجمة «رؤيته لمستقبل مصر» وبرامج الحكومة وتوجهاتها إلى خطة عمل متوسطة المدى «3 سنوات» تعمل على إيجاد حلول غير تقليدية للمشكلات الاقتصادية والمجتمعية والسياسية، وخطة أخرى طويلة المدى «5-10سنوات»، تؤسس لطفرة اقتصادية وسياسية واجتماعية تكرس العدل الاجتماعى والحفاظ على القيم والتقاليد المرعية وحقوق الإنسان والمواطنة، وتركز على المشروعات الرائدة ومشروعات تحلية المياه، وتوفير مصادر جديدة لها وترشيد استهلاكها، وتوفير مصادر جديدة للطاقة الجديدة والمتجددة، وعلى الأخص الطاقة الشمسية وطاقة الرياح، كما كنت قد تمنيت أن يهتم الرئيس بإحياء قطاع الأعمال العام وإعادة الاعتبار إليه كركيزة أساسية للاقتصاد الوطنى، وتطهير الجهاز الإدارى للدولة من كل آثار الأخونة والتمكين والفساد والمفسدين، مع إعادة هيكلته على أساس غير تقليدى يركز وحداته فى الوظائف الاستراتيجية للدولة ويترك الجوانب التفصيلية والتنفيذية لمصالح وهيئات وشركات قطاع الأعمال العام أو كيانات غير حكومية، وكذا تعميق اللامركزية وتمكين وحدات الإدارة المحلية وتخويلها كل السلطات فى أمور التنمية المحلية بالتوافق مع الخطط الاستراتيجية للوزارات المعنية، وأخيراً فقد تمنيت أن يكون الرئيس المقبل مسئولاً عن التأسيس لتحول ديمقراطى يقوم على تقديس قيم الحرية والمساواة والعدالة الاجتماعية والتعددية السياسية وسيادة القانون وإعلاء سلطة القضاء، وها هى فترة الرئيس السيسى الأولى تقترب من نهايتها فى 2018 وقد تحقق خلالها بعض ما تمنيته وليس كل الأمنيات، إلا أن المصريين لا يزالون يتطلعون إلى إنجازات أكبر وأهم على المستويات الاقتصادية والمجتمعية والسياسية ترقى إلى مستوى أهداف الثورتين؛ عيش، حرية، عدالة اجتماعية وكرامة إنسانية، وهم يتلمسون بدايات المستقبل على طريق إعادة بناء الوطن! كان مطلوباً تشكيل «حكومة حرب» تعمل وفق خطة وبرنامج وطنى معلن وتستعين على تحقيق أهدافها بأساليب غير تقليدية لمواجهة ظروف غير عادية من إرهاب يرهق الوطن والمواطنين، وأزمة اقتصادية ومشكلات حياتية تعتصر قدرات المصريين، وفساد يدمر طاقات الوطن وموارده ويحبط المصريين، وعدالة اجتماعية غائبة وخدمات عامة متردية، ودولة هى أقرب للفشل سماها الرئيس «شبه دولة»!! كان المطلوب تشكيل مؤسسة للرئاسة بحيث تكون عوناً للرئيس تقدم له الآراء والمشورة والدراسات العلمية، وتتابع أداء الحكومة وأجهزتها بموضوعية وجدية، وتستبق المشكلات بحلول علمية مستفيدة من كل المجالس والقدرات الاستشارية، تقدمها للرئيس. كان مطلوباً منذ حصل الرئيس على تفويض المصريين أن يعلنها حرباً شاملة ضد الإرهاب لا أن تنحصر المواجهة بين القوات المسلحة والشرطة دون باقى وزارات الحكومة وأجهزتها التنفيذية! كان مطلوباً أن تسير الحكومة وفق خطة علمية لرفع كفاءة الخدمات الصحية والتعليمية وتطويرها وليس الاقتصار على استصدار تشريعات دون وجود المقومات البشرية والمادية اللازمة لتفعيلها! كان مطلوباً أن يشعر الناس بجهود الدولة فى إحياء الاقتصاد الوطنى وتشغيل الطاقات العاطلة فى مجالات الإنتاج المختلفة وخلق فرص العمل المنتج، وذلك قبل أو جنباً إلى جنب المشروعات العملاقة! كان المصريون يتطلعون إلى بداية جسورة وفاتحة لسنوات من التنمية المستدامة وترسيخ العدالة الاجتماعية والبدء بتحول ديمقراطى حقيقى. إن ما يتطلع إليه المصريون هو بالأساس التخلص من المشكلات والتحديات التى صنعتها أنظمة الحكم السابقة، وبالقطع فإن الرئيس السيسى ليس مسئولاً عن صنع تلك المشكلات والمصاعب، ولكنه بالقطع المسئول الأول عن ضرورة التصدى لها والعمل على إنقاذ الوطن منها ومن آثارها السلبية، وكذلك لا يمكن أن تسأل حكومات ما بعد 30 يونيو 2013 عن جرائم النظامين السابقين فى حق الوطن والمواطنين، ولكنها بالتأكيد مسئولة عن استمرارها وعدم الكفاءة فى التصدى لها بأساليب غير تقليدية لا تكتفى بإخفاء مظاهر المشكلات، ولكنها تستأصل أسباب المشكلات من جذورها وتمنع تجددها. وقد تكون بعض ممارسات تلك الحكومات تساعد فى تثبيت أركان بعض سمات النظم السابقة!!! إن ما يتمناه المصريون هو القضاء على نظامى مبارك ومرسى، فثورة 25 يناير لم يتح لها تحقيق أهدافها بسبب توقف الشعب الثائر عن فعاليات الثورة بمجرد أن أعلن مبارك تخليه عن السلطة، ومسارعة الجماعة الإرهابية إلى ركوب موجة الثورة والعمل بدأب للاستيلاء على مفاصل الدولة إلى أن تمكنوا من الوصول إلى قصر الاتحادية! وبذات المنطق فشلت الحكومات التى شُكلت بعد الخلاص من حكم الإخوان الإرهابيين فى تخليص الوطن من نظام حكم تكلس وعلاه الصدأ وانتشر به الفساد، وجهاز إدارى ومؤسسات تكرست فيها البيروقراطية وترهلت تنظيماتها وأصبحت مضرب الأمثال فى الفشل العام. إن نظام حكم البلاد وإدارة شئونها لم يزل على حاله منذ 1952 مروراً بعصور عبدالناصر والسادات ثم مبارك وانتهاء بمرسى، وحتى بعد 30 يونيو 2013 وتنصيب رئيس منتخب جاء بعد إقرار الشعب لدستور جديد فى يناير 2014!! النظام كما هو بدءاً من طريقة تشكيل الوزارات وعدم وضوح معايير إنشاء الوزارات وإلغائها ودمجها أو فكها ولا أحد يعلم لماذا تنشأ الوزارات أو متى ولماذا تلغى!!! نفس الشىء يقال عن أسلوب ومعايير اختيار المحافظين وقيادات الإدارة المحلية ورؤساء المؤسسات والأجهزة الحكومية، فلا أحد يعلم متى ولماذا تجرى حركة للمحافظين على سبيل المثال، وما هى معايير تقييم أداء المسئولين فى كافة المجالات، ولا تزال المركزية الطاغية هى السمة الأساس للإدارة المحلية ولا تزال التنمية المحلية حلماً بعيداً عن المصريين! إن نظام حكم البلاد وإدارة شئونها لم يزل على حاله من غياب الرؤى والخطط والبرامج المعلنة التى يشارك المواطنون فى مناقشتها ومن ثم قبولها أو رفضها، ما زالت نظم التعليم والبحث العلمى، ونظم العلاج والصحة، ونظم العمل فى مختلف وزارات الدولة ووحدات الإدارة المحلية على ما هى عليه من روتين قاتل وفرص لا متناهية للفساد المالى والإدارى مع تضخم أجهزة الرقابة!!!
إن كافة نظم الإدارة الحكومية التقليدية والمنتهية الصلاحية بحكم التطور العلمى والتقنيات الجديدة، وبحكم تطلعات الناس وزيادة معارفهم لا تزال هى القائمة منذ سنوات طوال، ولا تزال إدارة الرئيس السيسى تستخدمها بكل معوقاتها وسلبياتها، فأسلوب ومعايير إعداد الموازنة العامة للدولة كما هو منذ آخر تطوير بموجب القانون رقم 87 لسنة 2005! الذى نص على ضرورة تطبيق موازنة البرامج والأداء منذ تاريخ العمل به! إن المصريين يطالبون الرئيس السيسى بالخروج من أسر نظم الحكم السابقة والانطلاق إلى نظام للحكم يعتمد الأساليب العلمية فى التخطيط والمتابعة وتقييم الأداء، نظام يستند إلى معايير واضحة ومعلنة فى اتخاذ القرارات، واختيار السياسات والمفاضلة بين البدائل، والمصريون يطالبون بنظام حكم ديمقراطى يؤسس لدولة مدنية قوامها المواطنة والتعددية السياسية الحقة، وتكون السيادة فيها بحسب الدستور للشعب، إننا نعيش عصر العلم والمعرفة والعولمة، عصر الديمقراطية، فلا نستطيع التخلف عن الركب أكثر من هذا!!!
نحن نعلم كيف نصل إلى الديمقراطية، ولكننا لا نعلم متى!