«الوطن» فى منزل شهيد «كمين الواحة»: عائلة عسكرية تواصل التضحيات
والد الشهيد
لم يكن زيه الشرطى ومهنته الخطرة غريبة على تلك الأسرة التى اعتادت الحياة العسكرية والانضباط وأداء الواجب الوطنى، فوالده أحد أبناء القوات المسلحة، التحق بسلاح حرس الحدود قبل سنوات عدة، وجده كان أحد الطيارين الذين أصيبوا فى حرب 1948، وحصل خلال هذه الحرب على نوط الجدارة، وجاء هو ليواصل تاريخ أسرته بوسام كبير سطّر به صفحة شرف جديدة تجاه وطنه، بعد استشهاده فى كمين بطريق الواحة بمدينة نصر قبل أيام، تاركاً طفلَيه «سيف»، 6 سنوات، و«لينا»، 3 سنوات.
جد «أيمن» طيار مقاتل بُترت ساقه فى حرب 48.. وأبوه خدم بـ«حرس الحدود».. ووالده: «شاهدته فى المشرحة وقبضة إيده كانت فى وضعية الضرب».. ووالدته: «عمل عيد ميلاد ابنه 3 مرات»
وبنبرة لا تزال قوية، يجلس والده حاتم عبدالرحيم، يخبئ عينيه الممتلئتين بالدموع خلف نظارته الكبيرة، ويروى كيف كان يقضى نجله معظم أوقاته فى العمل المنهك ومطاردة العناصر الخارجة عن القانون: «أيمن ابن الجيش والشرطة، طول عمره بيحب الشرطة وحتى بعد ما دخل المدرسة الإعدادية العسكرية بالإسماعيلية، ودى تبع الجيش، لكنه حول منها إلى مدرسة عادية، وبعدها التحق بأكاديمية الشرطة، وكان بينزل معايا الجيش كل ما تكون فيه فرصة آخده معايا»، مشيراً إلى أن حبه للعمل الشرطى كان يدفعه للعمل 17 ساعة يومياً، وأنه أثبت جدارته فى كل قسم خدم به: «اشتغل أول ما اتخرج فى قسم الجمالية وبعدها مأمور فى قسم بدر، ومصر الجديدة وبعدها عين شمس، وحب الناس له كان واضح فى الجنازة، وأنا شهادتى فى ابنى مجروحة، عشان كده بقول بالأدلة كان شجاع وبطل وبالضبطيات اللى عملها والمسجلة فى سجله المهنى التى تؤكد كفاءته».
كان يجلس «حاتم» كعادته على الإنترنت فى مساء كل يوم يتابع الأخبار، يشده خبر استشهاد ضابطين على طريق الواحات لكن أحدهما يشبه اسم نجله، فلم تكن المعلومات وقتها أكيدة: «لقيت مكتوب أيمن حامد وعلى طريق الواحات، طريق الواحات ده بعيد لكن قلبى كان قلقان، وبعد كده صححوها فى الأخبار وقالوا طريق الواحة، وقتها عرفت إنه ابنى، اتصلت بيه تليفونه كان مقفول، اتصلت بمراته قالتلى إن القسم كلمها وقالها تنزل عايزينها فقلت لها بصراحة، طالما القسم كلمك يبقى أيمن استشهد»، لم ينتظر لحظة فقد غادر فوراً للمستشفى ليتابع ما جرى لنجله: «ما قلتش لزوجتى.. قلت لها نازل رايح مشوار بس هى عرفت من أخواتها لما جم بالليل وقالوا لها».
وعن جسد الشهيد «أيمن» بالمشرحة يروى والده: «ما أقدرش أقول كل اللى شفته ولا عدد الطلقات اللى اخترقت جسمه، بس شهادة وهقولها إن قبضة ابنى واخدة وضعية الضرب، ضربوا رصاص عليه كتير منها طلقة قطعت جزء من أطراف صوابعه اللى بتدوس على الزناد، فابنى ردة فعله كانت سريعة وكان بطل»، لافتاً إلى أنه لن تنطفئ ناره إلا بالقصاص لنجله: «ابنى مش هيغلى على ربنا ولا على مصر لحد ما نقضى على الإرهاب».
ويضيف شقيقه أحمد حاتم أن الشهيد كان يجرى عملية مطاردة للمجرمين دون أن يكون معه قوة أو سيارات مدرعة، متابعاً: «طارد ناس كانت خاطفة رجل أعمال فى بدر وطالبين فدية وطاردهم فى الطريق بالليل وبدأوا يضربوا عليه نار وطفّوا الكشافات وهو كمان طفى الكشافات، وبقى يقولى أنا نفسى أشترى منظار رؤية ليلية عشان أعرف أشوفهم». جلست الأم المكلومة بين شقيقاتها تستقبل المعزين فى استشهاد نجلها: «لما كنت بشوف أمهات الشهداء بتوع سينا قلبى وقتها كان بيتقطع وأقول ربنا يصبرهم وببقى مش متخيلة الموقف، لكن دلوقتى بقيت زيهم».
كانت الأم آخر مَن يعلم بخبر استشهاد نجلها حينما أتت أخواتها إليها فى وقت متأخر ومهدت لها الخبر: «لقيتهم بيقولوا لى إنتى كده كده هتعرفى، ابنك استشهد»، وما إن علمت حتى انهارت باكية، مضيفة: «كان قلبه حاسس وعمل عيد ميلاد ابنه اللى عنده 6 سنوات 3 مرات، ومر على إخواته مرتين بدون ميعاد، وكأنه كان بيودعنا». وتخرج الأم هاتفها حيث تحتفظ بالكلمات التى كتبها نجلها لها قبل 3 سنوات أيام ثورة 30 يونيو، وقت انتشار الأعمال الإرهابية تجاه رجال الشرطة، وتبكى حينما قرأت: «ما تعيطيش ما انتى اللى صحيتينى كان نفسى أجيلك بس الموت مستنينى، بتعيطى ليه ده أنا ضحيت عشان بلدى بأحلى أيامى وسنينى».
أيمن