مكرم عبيد.. و«كتلته»
صورة تعبيرية
«اللهم يا رب المسلمين والنصارى اجعلنا نحن المسلمين لك، وللوطن أنصاراً، واجعلنا نحن نصارى لك، وللوطن مسلمين»، بلاغة اللغة تتجلى فى كلمات بسيطة التزم بها قولاً وفعلاً، له صوت رخيم ميزه الملايين الذين سمعوه يخطب فى الجماهير، ومع ذلك فصوته الحقيقى كان يُسمع بوضوح حين يدندن بلحن شرقى قديم، أو حين يرتل القرآن، وهو المسيحى الذى حفظ الكتاب المقدس للمسلمين من «الجلدة» لـ«الجلدة»، غير أن نشأة مكرم عبيد، المحامى الشهير والسياسى المخضرم، ابن محافظة قنا، فى بيئة ما قبل ثورة سنة 1919، التى رفعت شعار «يحيا الهلال مع الصليب»، أشعرته بانتمائه للوطن، فلم يعان اضطهاداً فى بلاده، على العكس وقف رأساً برأس مع نواب الأمة، تحت قبة البرلمان الذى دخله نائباً، كما تساوى مع زعماء الوطن حين أوفده حزب الوفد المصرى إلى لندن كوكيل لسعد زغلول أثناء مفاوضات عدلى يكن وكيرزون.
حمل مكرم الصعيد فى عقله وقلبه، فلم ينسَه حتى وهو يخوض غمار العمل السياسى فى القاهرة، وقف بصلابة إلى جوار مصطفى النحاس الذى تولى رئاسة حزب الوفد عقب وفاة سعد زغلول، وحتى حين وقع الخلاف بينهما فإن مكرم لم يهادن حزب الأغلبية، بل تركه برأس مرفوع ليؤسس حزباً جديداً تحت اسم «الكتلة»، ويواجه الاعتقال بروح عالية، ويواصل العمل من داخل المعتقل، ثم يفرج عنه، فيستكمل مسيرة العمل السياسى حتى ثورة 1952، قبل أن يرحل عن عالمنا فى مطلع ستينات القرن الماضى.