نحلم صغارًا وكبارًا بالشاطر حسن والسندريلا، واضعين لهم سمات شكلية وسلوكية وأسلوبية، اعتدنا على قوالب شكلية لها. فالفتاة لابد أن تكون ممشوقة القوام، جميلة العينين، ذات شعر المنسدل، وكذلك ملامح خارقة، وأهم من كل ذلك الاستكانة والطاعة العمياء، وإلا تُنزع عنها سمة الأنوثة.
أما الشاب فينبغي أن يكون الأوسم، والأطول، والأكبر، والأكثر ثراء، ذو الدرجة العلمية الأفضل، والمهنة الأرقى، والراتب الأضخم.
كل هذه المتطلبات مشروعة، ولكن التساؤل هنا.. ما علاقة هذه الصفات أو بالأدق (المتطلبات) بالحب؟!
كيف لسر من الأسرار الإلهية، ولغة من لغات الله أن تصبح معاييره هكذا؟! كيف لنبتة يزرعها الله في القلوب النقية التي لا تدركه قولًا أو تعبيرًا، بل تستشعر روحانياته، فترى في أعينهم بريقه، وبروحهم رائحته ولذاته أن ينظر لها هكذا؟! فهؤلاء القلة النادرة كلما صادفتهم في الحياة، تيقنت أن الحب غاية من غايات الله، وركيزة أساسية في الوصول إليه.
انقسمت الحياة إلى أركان عديدة منها ما هو المادي، ومنها ما هو الروحي، فهما عاملان رئيسان من عوامل اتزان النفس، ولكن تختلف نسبة احتياجات كل إنسان عن الآخر، فمنا من يهتم بالشق المادي بنسبة أكبر من المعنوي، ومنا من يهتم بالشق المعنوي أكثر .
وبرغم أن حديثنا اليوم عن الحب، وينبغي أن يكون روحانيا إلا أننا سنتناول شقه المادي؛ لأسباب عديدة، أولها: أن الكثير من قصص الحب تبوء بالفشل نتيجة لموانع مادية أو شكلية، وكذلك أنها حتى في شقها الروحي تكون وهمية، قائمة على الماديات بكافة صورها، فحين تذهب يذهب الحب ويبدأ الصراع، لأن الحب الحقيقي لا يموت ولا ينتهي ولا يتوقف، ولا يتم الترتيب له مسبقًا، وإنما يأتي من حيث لا نحتسب.
حين يضع الفرد منا قوالب وقياسات ومعايير شكلية ومبدأية (صفات) في فتى أو فتاة أحلامه، يستطيع أن يجدها، وينخرط في مزامير التجربة ويعيشها، والبعض يكمل ويصل إلى النقاط الرسمية وما بعدها.. إلى أن يفارق أحد الطرفين الحياة، ويظل الحب ويستمر مع فراق الجسد.
والبعض الآخر يرى أنه استنزف مشاعره هباء، وأن تجربته فاشلة فيلعن الحب ويراه ملاذًا للأوجاع والألم والضياع، وربما يتطور الأمر لأكثر من ذلك ويدفع الأطفال فاتورة "حب مع سبق الإصرار" وانتهى بعشوائية واحتقان، بل وبغض وكراهية في بعض الأحيان.
في الواقع، إن هناك عوامل عديدة تجعل الإنسان يختلط عليه الأمر في الحكم على مشاعره، أولها: رغبة الكثيرين في الوقوع بالحب لدوافع الغيرة، فهذا يرى صديقًا له مع حبيبته وتلك ترى صديقة لها مع حبيبها. ومن هنا يبدأ التوهم وفقًا لقوالب شكلية موضوعة، يدركها الكثير ويستغلها لإشباع رغباته وأحيانًا لاستغلال الآخرين، فيصبح طرفًا يشبع رغبته في الوقوع بالحب، والآخر يستغل هذه الرغبة بالطريقة التي تسد نقاط النقص لديه.
وهناك حب آخر يكون لإشباع الغرور وتهافت الشاب "الجان" على الفتاة العادية، أو ربما ست الحسن بالشاب العادي. وهنا يأتي التساؤل.. من الذي وضع تلك المعايير في الحب؟! ألا نعاني وندفع ثمن أمراض مجتمعية ترسخت في أذهاننا وجعلناها تتفاقم إلى أن دمرت حياتنا، وجعلتنا نبني كل شيء وفقًا لمعيار اجتماعي عقيم.
ومن هنا يأتي جمود الروح في أولى مراحل الحب، التي يحتسبها البعض وفقًا للمراحل الرسمية، والواقع أنني أؤمن بأن الحب الحقيقي له علاقة وطيدة بالمراحل الرسمية، فمن يحب حبًا حقيقيًا لن يحتمل ولن يستطيع أن تكون روحه مع آخر.. تلك اللبنة التي يصارع الإنسان من أجلها تمنحه قوة يستمدها من الله، لأن الحب الحقيقي هو الله، وليس الحب المدبر له والموضوع بقوالب هلامية أماتنا المجتمع فيها لأجل إرضاء رغباته.
للحب شروط مشروعة أولها أن يحب الإنسان نفسه ويقدرها أولًا، ويستطيع بعد ذلك أن يحدد ما يريد دون الخوض في تجارب لا جدوى لها سوى استنزاف مشاعر بريئة في تجارب وهمية، فالحياة حقًا تجارب ولكن ليس في قلوب البشر.
وعلى الرغم من كل هذه المحاولات لتقويم الحب، إلا أنه يظل فيه شق خفي قائم على الروح، فلك أن تتأمل هؤلاء الذين لا يمثلون القوالب الشكلية والتابوهات الموضوعة مع سيف الإصرار، كيف يقعون في الحب الحقيقي ويعيشون روحانياته.. إنها الروح؛ أي الإعجاز الإلهي.