«مطر»: «هادفع رواتب الباحثين وأخليهم يقعدوا فى البيت بعد تخفيض 70% من ميزانية المركز»
الدكتور طه مطر
«لدينا مشروعات يمكن أن توفر المليارات للدولة، ورغم ذلك تم تخفيض ميزانياتنا بنسبة 70%»، قال الدكتور طه مطر، رئيس مركز بحوث الفلزات، فى حوار لـ«الوطن» عن المشروعات البحثية الجاهزة للتطبيق الصناعى، التى توفر ما يقرب من نصف مليار جنيه سنوياً للدولة فى حال تطبيقها. تحدّث «مطر» عن التحديات التى تواجه أعمالاً بالمركز، أبرزها لجوء الباحثين لطلب سفر إلى الخارج لاستكمال دراستهم، أو الحصول على فرص عمل، ويظل البعض منهم عشرات السنين خارج البلاد، وقبل بلوغه سن المعاش بعام أو عامين يعود للعمل داخل مصر، مما جعل المركز يتحوّل بما وصفه «قهوة معاشات»، تؤثر سلبياً على طبيعة العمل داخل المراكز البحثية، وتطوير منتجاتها.
■ بداية، ما أهم المشروعات التى توصل إليها المركز وجاهزة للتطبيق؟
- تنقسم المشروعات البحثية داخل المركز إلى ثلاثة مستويات، تبدأ بالفكرة والنموذج الأولى، وتنتهى بالتخطيط والتصنيع التكنولوجى للأفكار البحثية، التى يمكن الاستفادة منها من قبل المستثمرين.
رئيس «بحوث الفلزات» لـ«الوطن»: خفض الميزانية ألغى اعتماد بنود الصيانة.. وفى حال نشوب حريق بالمعامل لن نجد خزان مياه لإطفائه
وأبرز المشروعات التى توصل إليها المركز، وتعد جاهزة للتطبيق مشروع لإنتاج «صلب العدة» من خلال تقنيات جديدة يمكنها إنتاج صلب عالى المتانة يمكنه تحمّل الظروف القاسية، وهى من التقنيات التى يلجأ إليها العالم فى مجال صناعة السيارات. واستطاع المركز إعداد دراسة جدوى للمنتج بما يتلاءم مع السوق المصرية، خصوصاً صناعة «الألوميتال». وتنتج مصر يومياً 80 طناً من الألوميتال من خلال 22 مصنعاً، واستطاع مشروع المركز البحثى استغلال مخلفات هذه الصناعة لتصنيع منتج تلجأ مصانع الألوميتال لاستيراده، وتدخل ضمن صناعات الصلب. كما استطاع المركز تصنيع الدرافيل الحديدية لطحن الغلال بالمطاحن، التى تستوردها مصر، وأجريت الاختبارات اللازمة لهذه الدرافيل داخل المعامل نصف الصناعية بالمركز. واستطاع المركز أيضاً أن يُنتج الدعامات الطبية، التى نستوردها من الخارج، من خلال معامل النمذجة الصناعية، بإنتاج كميات من الدعامات المختلفة، سواء المصنوعة من الألومنيوم أو البلاستيك، بأسعار أقل بكثير من المستورَدة، فمثلاً استطاع المركز إنتاج شريحة طبية بمبلغ 40 جنيهاً، فى الوقت الذى يمكن فيه استيرادها من الخارج بمبلغ 5 آلاف جنيه، خصوصاً بعد تعويم الجنيه، وزيادة سعر الصرف.
موظفو وزارة المالية يتعاملون معنا على أننا نتلقى «زكاة» وليس أموالاً لتنفيذ مشروعات.. وأحدهم قال لى: «بتعمل إيه بالفلوس؟»
■ حدّثنا عن التحديات التى يقابلها باحثو المركز أثناء العمل على مشروعاتهم التطبيقية؟
- تتمثل أبرز التحديات فى توفير التمويل اللازم للمركز، وللأسف قررت وزارة المالية تخفيض ميزانية مركز بحوث الفلزات، حوالى 70%، أى أنها أصبحت نحو 2 مليون جنيه، رغم أن احتياجاتنا تتطلب ميزانية تُقدر بـ11 مليون جنيه، وفى حال الاستمرار فى هذا التخفيض لن يتبقى أمامنا سوى إعطاء رواتب للباحثين بالمركز دون طلب تنفيذ أى مشروعات بحثية قومية منهم. وللأسف يتعامل معنا أحد موظفى وزارة المالية، على اعتبار أننا نتلقى زكاة، وليس أموالاً لتنفيذ مشروعات يمكن أن تنهض بها الصناعة الوطنية، فوجدت أحد الموظفين يوجّه لى سؤالاً، قائلاً: «بتعمل إيه بالفلوس يعنى؟»، وفوجئنا فى الموازنة الجديدة بإلغاء بند الصيانة داخل المركز، ليصبح صفراً بعد أن كان 300 ألف جنيه، رغم أن لدينا معامل نصف صناعية بها أفران تعمل بدرجة 1700، وفى حال نشوب حريق فى هذه المعامل لا توجد لدينا خزانات مياه للطوارئ لإطفائها، ولدينا مبانٍ موجودة منذ أربعين عاماً، وآيلة للسقوط، لدرجة أن بعض المكاتب يتساقط أجزاء من حوائطها على الباحثين بالمركز يومياً. وتحتاج المعامل نصف الصناعية للصيانات، خصوصاً أن بها معامل كيماويات، وأجهزة وماكينات أصبح حالها يُرثى له، وتعرّض العاملون للخطر. وعقب زيادة الأسعار الأخيرة، أبحث أسبوعياً كيفية توفير الأموال اللازمة لصيانة المعدات والأجهزة داخل المركز، الذى يعتمد بنسبة 90% على تطبيق أبحاثه فى معامل نصف صناعية، رغم أن ميزانية المركز لا تمثل 10% من ميزانية أى جامعة وصلت بعد التخفيض إلى 5%، رغم أن مشروعات المركز التطبيقية تفوق أهميتها بكثير المشروعات البحثية النظرية غير التطبيقية، بما توفره من مليارات على هيئة عوائد استثمارية فى حال تنفيذ هذه المشروعات، خصوصاً أن نسبة الربح يمكن أن تصل إلى 200%.
■ كيف ترى لجوء عدد من الباحثين بالمركز إلى السفر والعمل خارج البلاد منذ عشرات السنين؟
- يوجد لدى المركز 300 باحث، تصل نسبة الحاصلين على موافقات للسفر أو الإعارة الخارجية منهم إلى 25%، خصوصاً أن الكثير من الباحثين يستغلون ما يمنحه القانون من فرصة الحصول على إعارة أو سفر بالخارج من خلال باب خلفى باسم «مرافق زوجة أو زوج»، مما يجعل الموافقة حتمية على طلب السفر. وللأسف قانون البحث العلمى، المعروض على مجلس الوزراء حالياً، ألغى إحدى المواد التى كانت تُنهى التعاقد المفتوح مع الباحث فى حال السفر إلى الخارج بأخذ إجازة عمل أو مرافق زوج أو زوجة، مما فتح الباب أمام باحثين للسفر وأخذ إجازة تمتد إلى ثلاثين عاماً، يأتى بعدها قبل طلوعه على المعاش بعام أو عامين، ليبدأ عملاً روتينياً يتمثل فى احتساء الشاى وقراءة الصحف، واستنزاف موارد المركز دون عائد حقيقى، بل يحصل الباحث خلال فترة وجوده خارج البلاد على الترقيات، مما يجعله يتساوى مع الباحث الذى يُقرّر البقاء بالمركز وإنتاج مشروعات بحثية حقيقية يمكن أن تفيد على مستوى قومى. ولا أحد يقف أمام رغبة الباحث فى أن يجد فرصة عمل تمنحه راتباً أربعة أضعاف ما يتقاضاه داخل المركز، لكن دون تجميد لمكانه داخل المركز، ودون إعطاء فرصة لباحثين آخرين قرروا البقاء والعمل داخلياً، وفى حال عودة بعض الباحثين بعد قضاء 10 سنوات بالخارج، يأتى دون أن يمتلك أى معرفة عن متطلبات العمل، وما يقتضيه، مما يؤدى إلى تسبّب البعض منهم عقب عودتهم، فى إفساد العمل داخل المركز وليس تطويره.
المركز تحول إلى «قهوة معاشات» بسبب التحايل على القانون بطلب إعارة كمرافق زوجة.. ولدينا أقسام لم يعد بها سوى باحث أو اثنين.. وأحد مشروعات المركز يمكنه أن يسهم بنصف مليار جنيه سنوياً بالدخل القومى فى حال تنفيذه بالصناعات المصرية
■ ما تقييمك لدور قانون البحث العلمى المعروض على مجلس الوزراء فى وضع حلول لمشكلات الباحثين؟
- إن أردنا النهضة الحقيقية بالبحث العلمى، علينا أن نتعامل مع المشكلات بطريقة الجراحة، وليس المسكنات، وأبرز المواد التى يجب أن يُعاد النظر بها داخل القانون بند الحصول على إجازة للباحثين تحت مسمى «مرافق زوجة»، وهو حق دستورى، لكنه باب خلفى جعل بعض الباحثين المنتمين إلى مركز بحوث الفلزات، مضى عليهم 30 عاماً، دون أن يدخلوا باب المركز حتى الآن، وتوجد أقسام بالمركز بها باحث أو اثنان فقط بعد أن سافر الباحثون بالكامل إلى الخارج، مثل قسم النانوتكنولوجى، وقسم المواد المغناطيسية الكهربية. ونحاول داخل المركز تقييد قرارات الموافقة على السفر الخارجى للباحثين من خلال قرارات أخيرة لمجلس إدارة المركز تُلزم بالموافقة على سفر الباحث لمدة 5 سنوات، يتطلب بعدها الحصول على موافقة من مجلس الإدارة، وفى السنة السابعة لوجوده بالخارج لن يستطيع الحصول على الموافقة بتمديد الفترة إلا من رئيس مجلس الوزراء، إذا كان سبب الإعارة يرتبط بمهمة قومية لخدمة الوطن، وبعد إقرار هذه القواعد تقدّم أحد الباحثين بالفعل بطلب استقالة من المركز، لأنه لن يستطيع ترك الجهة الخارجية التى يعمل بها، وهو ما يُعد نموذجاً للصراحة دون مواربة. وفى محاولة لتقييد عمليات الحصول على إجازة مرافق زوجة، بدأنا فى طلب بعض الإجراءات، مثل شهادة تحركات، صورة حديثة للتعاقد تكون موثقة من السفارة المصرية بالخارج، وكلها إجراءات يمكن أن تُقلل، لكنها لن تُحد إلا من خلال نصوص واضحة نأمل أن يتضمّنها قانون البحث العلمى، الذى ما زال تحت المناقشة قبل فوات الأوان.