الحاج نبيل: «كنا بنشترى قمر الدين بمليم»
الحاج نيبل
فخور هو أنه من أبناء هذا الجيل الذى شب على أنه لا يجب أن يطلب أحدهم المساعدة منك حتى تقدمها إليه، فما تسعفه ذاكرته به عن أيام طفولته يؤكد أنه لم يكن هناك حاجة أبداً لإقامة موائد رحمن أو انتظار لموافقات حكومية لها من هذه الجهة أو تلك، فأفراد عائلته وجيرانه من أبناء قلعة الأثاث فى مصر «دمياط»، كانوا يتزاورون فيما بينهم ولا يتركون أحدهم أبداً فريسة لجوع أو فقر، «زمان ماكانش فيه حد جعان، فما عندى عندك وما عندك عندى، أما دلوقتى فبقينا شايفين الناس بتتسابق إزاى عشان تحجز مكان على مائدة رحمن»، تلك لمحة وصف بها عهداً مضى ولكنه ظل ساكناً فى مخيلته.
«يعود الرجل السبعينى بذاكرته للوراء، يبتسم وهو يتذكر المليم الذى كان يشترى به قطع قمر الدين بعد الإفطار، والبط الذى كانوا يتناولونه فى معظم أيام الشهر الكريم، يروى نبيل أحمد القرفش تفاصيل سنوات يصفها بسنوات الخير والبركة قائلاً: «وأنا صغير كنت باخد أصحابى بعد الفطار ونروح نشترى قمر الدين، وقتها كان بيتباع بالقطعة وكنت باشترى الحتة بمليم، مكانش ينفع اليوم يعدى من غير ما آكل قمر الدين».
ويتابع «أتذكر أننا كنا نطهو البط يومياً وليس فقط فى أول أيام رمضان كما تفعل معظم العائلات الآن بسبب غلاء الأسعار، ولم تكن هناك مائدة تخلو من المكرونة باللبن والقطايف وبلح الشام، بل إننى أذكر أن السحور أيضاً كان يشمل خضراوات مطهية».
«العادات والتقاليد كان لهما احترامهمها، فالطفل والشاب فى زمانى لم يكن يسمح لهما أبداً أن يعلو صوتهم أمام من يكبرهم فى السن، وربما تلك الأجواء الطيبة كانت سبباً فى أن لا نعايش جرائم بشعة كتلك التى نسمع عنها الآن حتى فى رمضان»، قالها «القرفش» وملامح الحزن تكسو وجهه. فانوس خشبى صغير من صنع يديه كان يتجول به «القرفش» مع أصدقائه فى الشوارع المحيطة ببيته يلعبون «الاستغماية»، ففى ذلك الوقت كان الأطفال قد اعتادوا صنع معظم ألعابهم بأنفسهم وعلى رأسها فانوس رمضان، أما اللعب فكان مسموحاً به فقط للأطفال الذين التزموا بفرض الصلاة وجاوروا آباءهم فى صفوف صلاة التراويح، وهذا كان ينعكس على الشوارع التى تصبح شبه خالية من المارة فى أوقات الصلاة.
عدم انتشار أجهزة التلفاز والراديو كانت ترغم الجميع على الوجود حول المساجد لسماع صوت أذان المغرب وفقاً لرواية «القرفش».