محمود محيي الدين يضع "روشتة التنمية" المستدامة للعالم العربي
الدكتور محمود محيي الدين النائب الاول لرئيس البنك الدولي و وزير الاستثمار الاسبق
وضع الدكتور محمود محيي الدين النائب الأول لرئيس البنك الدولي ووزير الاستثمار الأسبق، "روشتة" اقتصادية للتنمية المستدامة في الدول العربية والمخاطر التي تواجهها، وكذا سبل التغلب على هذه المخاطر، وذلك في مقال نشره موقع "بروجيكت سينديكيت" المتخصص في مقالات الرأي.
الشعور بالهدف وحده لن يدفع القطاع الخاص إلى تحويل الاستثمار نحو الاستدامة
وقال محيي الدين في مقاله "في العقود الأخيرة، خرج ملايين الناس في العالم العربي من الفقر المدقع. ولكن النمو أو التقدم أصبح الآن معرضا لخطر التباطؤ أو حتى الانعكاس بسبب حلقة مفرغة من الفشل الاقتصادي والاضطرابات العنيف التي شهدتها المنطقة العربية. ولمنع مثل هذه النتيجة، يجب على البلدان العربية أن تتحرك بسرعة لبناء اقتصاد أكثر استدامة، مدعوما بزيادة إبداع القطاع الخاص وحيويته، وتحسين الخدمات العامة، وخلق المنافع العامة الإقليمية والعالمية."
الطريق أمامنا محفوف بالصعوبات..والمنطقة لديها الموارد والفرص المتاحة للازدهار
وأضاف محيي الدين "الخطوة الأولى نحو تحقيق ذلك هى الاعتراف بحجم وطبيعة الحواجز المحتملة للنجاح. وتواجه البلدان العربية اليوم بطء نمو الناتج المحلي الإجمالي بشكل عام وتشدد القيود المالية. وتؤدي التفاوتات في الحصول على التعليم والتدريب والرعاية الصحية - وهو ما يعكس جزئيا تلك القيود المالية - إلى تفاقم عدم المساواة المتزايد أصلا".
وتابع "وكما رأينا في المنطقة، فإن مثل هذه الظروف يمكن أن تغذي الاستقطاب السياسي والصراع العنيف، مع ما يصاحبه من تشريد وفقدان في الأرواح وتدمير للبنية التحتية وتكاليف اقتصادية هائلة. وفي حين أن التنمية الاقتصادية ليست ضامنة للسلام، فإن الفشل في التنمية كثيرا ما يسهم في التطرف والعنف، لأن الغضب الشعبي يترابط مع فقدان الشرعية المؤسسية. إن وجود صراعات قريبة او المجاورة ، يمكن أن تكون لها آثار زعزعة للاستقرار، يزيد من خطر الاضطرابات."
وقال "ويمكن أن يكون الابتكار التكنولوجي جزءا من حل الاقتصادات العربية؛ ولكن ما يصاحب ذلك من تعطيل للأسواق وسبل العيش يثير تحدياتها الخاصة. ومن الصعب بنفس القدر إدارتها مخاطر مثل تغير المناخ والأوبئة التي تتجاوز الحدود وبالتالي لا يمكن معالجتها من قبل أي بلد منفرد."
الخطوة الأولى نحو تحقيق النجاح هى الاعتراف بحجم وطبيعة الحواجز المحتملة
وحول التغلب على المعوقات التي تواجه المنطقة قال محيي الدين "إن التغلب على هذه التحديات لن يكون سهلا. وسيكون مفتاح النجاح هو التعاون الذكي: بين القطاعين العام والخاص؛ بين الحكومة والمجتمع المدني؛ بين البلدان؛ وبين البلدان والمنظمات الدولية".
وأضاف "ومن بين هذه المنظمات الدولية مجموعة البنك الدولي التي تتعاون مع البلدان للمساعدة في حماية الفقراء والضعفاء، وتحسين القدرة على الصمود أمام صدمات اللاجئين والهجرة، وضمان تقديم الخدمات الشاملة والمساءلة. ونعمل أيضا على تعزيز القطاع الخاص، بحيث يمكن أن يخلق فرص العمل والفرص للشباب في جميع أنحاء العالم العربي. ونشجع أنواعا أخرى من التعاون، ولا سيما التعاون الإقليمي بشأن المنافع العامة المشتركة وفي قطاعات مثل التعليم والمياه والطاقة وتغير المناخ".
وجاء أيضا في المقال "يجب أيضا أن يكون الهدف الرئيسي للتعاون هو جمع التمويل. إن المساعدة الإنمائية الرسمية، التي بلغت في العام الماضي 142 مليار دولار، لن تكون كافية لتلبية الاحتياجات التمويلية غير العادية للمنطقة، حتى وإن كانت مقترنة بموارد حكومية. وعند وضع هذه المساعدات في السياق العالمي للانفاق ، فقد بلغت المساعدة الإنمائية الرسمية لعام 2015 ثلث مشروع قانون الرعاية الصحية السنوي في ألمانيا، ويقدر الذراع التجاري للأمم المتحدة، الأونكتاد، أنه من أجل بلوغ أهداف التنمية المستدامة، سيتعين على العالم أن يغلق فجوة قدرها 2،5 تريليون دولار سنويا. ولتحقيق ذلك، يجب أن نستخدم آليات مبتكرة للاستفادة من الأموال العالمية وتعبئتها، ولا سيما من القطاع الخاص".
وطالب محيي الدين ببذل المزيد من الجهود لتشجيع القطاع الخاص على الاستثمار في التنمية المستدامة بالنسبة للمبتدئين، وكما أشار تقرير "ديلويت" الأخير، ينبغي أن تكون الشركات قادرة على صياغة هدف واضح مرتبط بهدف اجتماعي أو بيئي أو حتى اقتصادي أوسع، ويمكن لهذا الغرض أن يكون بمثابة بوصلة للأعمال التجارية، والتأثير على ثقافتها وقيمها التنظيمية، وتوجيه السلوك الفردي والجماعي للأطراف المعنية.
المنطقة لديها الناس والموارد والفرص المتاحة للازدهار
وبطبيعة الحال، فإن الشعور بالهدف وحده لن يدفع القطاع الخاص إلى تحويل الاستثمار نحو الاستدامة. وأفادت لجنة الأعمال والتنمية المستدامة بأن الاستثمارات في أهداف التنمية المستدامة تحقق عائدا هائلا، بما في ذلك الفرص الجديدة، والمكاسب الضخمة في الكفاءة، والزخم اللازم للابتكار، وتحسين السمعة.
وأكد الوزير السابق في مقاله أنه "بمجرد أن تعترف الشركات بهذه الفوائد وتقرر اعتماد نهج يحركها الغرض، فإنها تحتاج إلى المساعدة في رصد النتائج والإبلاغ عنها. وعلى وجه التحديد، فإنها تحتاج إلى إطار عمل شفاف يتيح لها بسهولة مشاركة المعلومات عن التقدم المحرز في تحقيق أهدافها الاقتصادية والاجتماعية والبيئية الطويلة الأجل. وهناك جهود جارية لإنشاء مثل هذا الإطار، ولكن هناك حاجة إلى بذل المزيد من الجهود لإيجاد الحوافز المناسبة للشركات للمشاركة، وتزداد أعداد الشركات الداعمة للانتقال إلى اقتصاد مستدام. ولكن، ولإكمال هذا التحول، لا سيما في البلدان العربية، سيلزم زيادة عدد أكبر من الشركات وغيرها من كيانات القطاع الخاص. وبطبيعة الحال، يجب أن تنعكس تعهداتها وتعززها بالتزامات من الحكومات والمؤسسات المتعددة الأطراف والمجتمع المدني".
واختتم محيي الدين المقال بقوله "إن الطريق أمامنا محفوف بالصعوبات، ولكن العالم العربي قد تخطى تحديات شاقة مماثلة في الماضي. الآن، كما في أي وقت مضى، المنطقة لديها الناس والموارد والفرص المتاحة للازدهار".