تهانى الجبالى: كنا نقيم خيمة بجوار مقام «السيد البدوى» ونخدم الزوار ونقدم الطعام والمشروبات
تهانى الجبالى
«رمضان طنطا له طعم آخر، يكفى وجود المقام الأحمدى للسيد أحمد البدوى، ليصبح رمضان مختلفاً تمام الاختلاف عن أى مكان فى مصر».. تتحدث المستشارة تهانى الجبالى نائب رئيس المحكمة الدستورية السابق، عن شهر الصيام فى مسقط رأسها بمحافظة الغربية، حين صامت للمرة الأولى وسنها سبع سنوات: «الصيام تم بحكمة الأب والأم واحتوائهما لنا ونحن صغار، إضافة إلى الوازع الدينى القوى داخلنا والنابع من أننا أسرة متدينة، فجدى هو الشيخ إبراهيم الجبالى، عضو هيئة كبار العلماء، وكان صديقاً للشيخ مصطفى المراغى، شيخ الأزهر الشريف الأسبق، فعائلتى هى من قبيلة الجبالى العربية ونشأنا فيها على الالتزام بالدين فى سن مبكرة».
أنا من أسرة متدينة.. والنقشبندى ومصطفى إسماعيل والأنبا يؤانس كانوا أصدقاء والدى
ولأن والدتها كانت مدرسة للغة العربية والتربية الدينية، وكانت من الرعيل الأول الذى تخرج فى الجامعة بعد فاطمة عنان، فإن هذا أثر بشدة على تربية تهانى، إذ حرصت والدتها على أن تزرع فيهم منذ الصغر حب الطقوس الدينية، وكما كان لوالدتها فضل كبير، فإن البيئة المحيطة أيضاً لعبت دوراً فى نشأة الجبالى: «أذكر أن عائلتى كانت تقيم سرادقاً إلى جوار مقام السيد البدوى، أثناء الاحتفال بمولده، وتطعم فيه الطعام، فقد كانت أسرتى من أثرياء الريف، وكانوا يأخذوننا معهم فى هذا السرادق ويعلموننا خدمة زوار السيد البدوى، وكنا نستمع إلى الإنشاد الدينى وهو ما كان يرسخ داخلنا القيم الدينية وحب الشعائر».
بالإضافة إلى ذلك، فقد تمتعت العائلة بصداقة كبار مقرئى القرآن الكريم والمنشدين فى ذلك الوقت، كالشيخ مصطفى إسماعيل، والشيخ سيد النقشبندى، وكانوا كثيراً ما يزورون والد تهانى، فيقرأون القرآن وينشدون، وكان يأتى معهم الأنبا يؤانس مطران الغربية، الذى كان حريصاً على حضور السهرات والليالى الرمضانية، وكان والد تهانى يعمل مراقباً طبياً فى الصليب الأحمر، ومن أثرياء الريف الذين طبق عليهم الإصلاح الزراعى، ومع ذلك كان معروفاً بكرمه ويحضر له توليفة من الشخصيات العامة من داخل الإقليم ويجمعه بهم المحبة والود، ويتحدثون فى الدين والسياسة والثقافة وفى كل شىء: «فى كل ليلة نستمع إلى الإنشاد وتلاوة القرآن وكل هذا مظاهر طبيعية فى بيتنا يومياً، بالإضافة إلى أن طنطا بها الطرق الصوفية والإنشاد وتجليات المنشدين، وكل هذا له تراكمات فى فترة التكوين الأولى».
وتسترجع المستشارة تهانى الجبالى فترة الطفولة لتقول: «كان منزلنا قريباً من كنيسة مار جرجس التى تم تفجيرها مؤخراً فى طنطا، وحضرت حفل افتتاحها ونحن أطفال مع كل أطفال الحى، وظللنا نلعب بالفناء طوال الليل، وأتذكر وقت بناء الكنيسة أن منازل الحى كانت ترسل الوجبات والطعام والمشاريب للعمال، وهذا هو الشعب المصرى الحقيقى، لذلك ما يفعله الإرهاب حالياً هو محاولة ضربنا فى مقتل وفك الترابط الموجود بيننا».
وعن أول أيام الصيام فى الطفولة تسترجع الجبالى الذكريات بقولها: «كنا سبع أخوات ثلاثة صبيان وأربع بنات، والدتى كانت تحاول أن تساعدنا على التحمل فى الصيام بأنها كانت تشغلنا بأعمال المنزل، وكل واحد منا كان يقوم بمهمة، ووالدتى كانت تعلمنا شغل البيت وطريقته، فكان يجب أن نعمل عملاً مفيداً أثناء الصيام، وبعد ذلك كنا ندخل معها إلى المطبخ وكلنا كان بيننا مساواة، فأخواتى الصبيان كانوا يعرفون فى شغل المنزل والطبيخ وغيره من الأمور، وبعد الانتهاء من ذلك يأتى وقت الفطار فيكون كل واحد منا لديه مهمة فى الفطار، منا من يعد العصائر وآخر السلطة وآخر المخلل وآخر يضع الأطباق وهكذا».
وعن أول يوم إفطار فى رمضان تتذكر تهانى الجبالى: «كان لازم يكون بط، وممكن نكون قمنا بتربيته فوق السطح أو نشتريه من البلد، وأنا من عشاق المطبخ واتعودنا نحب كل الأكل وكل نعم ربنا كويسة مفيش حاجة اسمها بأكره ده أو مش عاوز آكل ده، بس أنا كنت بحب الملوخية والحمام المحشى».
أما أول فانوس حصلت عليه تهانى فكان عمرها وقتها خمس سنوات: «كان فانوس من الصاج والزجاج ويوضع بداخله الشمع، وأذكر أننى حافظت عليه لمدة طويلة تقريباً ثلاث سنوات، وكنا نحافظ على الأشياء فلم نكن جيلاً استهلاكياً وإنما كنا جيلاً موفراً»، ولأن التليفزيون لم يكن قد ظهر بعد فكان الراديو هو بطل رمضان بلا منازع: «كان الاستماع ينمى الخيال، وأتذكر ألف ليلة وليلة التى كانت تلعب فيها العظيمة زوزو نبيل دور شهرزاد راوية الحكايات، كما أذكر القرآن الذى كان يذاع قبل نشرة الأخبار، فيبدأ من الثامنة مساء ولمدة نصف ساعة، وبعدها تذاع نشرة الأخبار»، بعدها ظهر التليفزيون، تقول تهانى إنه كانت تتم الاستعانة فى بداياته بكفاءات الراديو، وكانت البرامج المقدمة نظيفة أما برامج اليوم، فترى تهانى أنها برامج رعب وأموال تنفق فى إسفاف وتحول غريب فى الطبيعة المصرية: «فى الماضى الهدف كان تربية النشء أما الآن نعيش أكذوبة كبيرة اسمها سباق المشاهدة وهو مخطط لاستلاب العقل وتحويله للهدم، وهذه حرب من حروب الجيل الرابع والسيطرة على الأمم».
تختتم تهانى حديثها بقولها: «أنا حاولت تربية أولادى بنفس طريقة تربيتى، ونحاول تجميع العائلة ونقيم ولائم الإفطار حتى تزيد داخلهم القيم ونحاول التمسك بالهوية الثقافية والوطنية والشعبية الخاصة بنا كمصريين».