صدر فى باريس قبل أيام كتاب بعنوان استثمارات قطرية مشبوهة فى العاصمة الفرنسية، من تأليف صحفية فرنسية لم تكتب حرفاً واحداً من كتابها إلا من خلال وثائق ومكاتبات بين شركات فرنسية وأفراد أو مؤسسات قطرية مغطاة بأوراق وإمضاءات من السفارة القطرية فى باريس وقت أن كان «العطية» هو سفير قطر فى باريس!
والحق أن هذا الرجل الذى أصبح فيما بعد رئيساً لمجلس التعاون الخليجى كان لا هم له سوى تقديم تسهيلات لهذه الاستثمارات المشكوك فيها والمتورط فيها مؤسسات قطرية يمتلكها نفر من الأسرة المالكة.. كذلك عدد من الإرهابيين الذين يعيشون على الأراضى القطرية!
اللافت للنظر أن ندوة أعدت لهذا الكتاب فى مجلس الشعب الفرنسى الواقع فى مدينة لوكسمبورج وشارك فيها عدد من الكتاب والمفكرين الفرنسيين ونفر من رجال السياسة الفرنسيين، ودارت معظم المناقشات حول تورط قطر فى استثمارات مشبوهة حصرتها المؤلفة الفرنسية بالدليل القاطع.. وكلها تحت إشراف السفير القطرى فى باريس!
ولا بد أن أعترف وقد عشت فى فرنسا نحو 20 عاماً أننى لاحظت فى أوائل ثمانينات القرن الماضى عناوين «الإغاثة الإسلامية» ومكاتب ترانزيت لسفر العرب والمسلمين إلى أفغانستان تحت إشراف السفارة القطرية.. بل إننى ذهبت مرة إلى مقر السفارة برفقة المستشرق الفرنسى الشهير روجيه جارودى لرغبة الأخير فى الحصول على تأشيرة دخول لكى يلتقى بزوجته الثانية الفلسطينية وإمضاء بعض الوقت فى أحد فنادق الدوحة، وأن اجتماعاً جمع بين «العطية» سفير قطر فى باريس والمفكر الفرنسى روجيه جارودى، وتحدثا فى تمويل قطرى لمجلة «شمال - جنوب» التى كان يصدرها روجيه جارودى فى باريس ثم المركز الثقافى الذى أسسه الأخير فى إسبانيا ويحمل اسمه.
وبعد أن حصل روجيه جارودى على تأشيرة مجاملة من السفير «العطية» واتفقا معاً على طريقة السفر ومن سيلقاه هناك ليقوم بتوصيله إلى فندق الدوحة والسيارة التى تقله من وإلى هناك وتسهيل إعطاء تأشيرة إلى زوجته الفلسطينية التى تعيش فى الأردن! انتهى اللقاء داخل السفارة القطرية فى باريس.. والحق أن السفير «العطية» لم يسأل روجيه جارودى عن الزوجة الفرنسية الأولى، واكتفى بأن سأله عن الزوجه الفلسطينية الثانية، وتباحثا معاً فى شأن مجلته الشهرية التى كانت مهددة بالتوقف وكان يصدرها تحت إشرافه عدد من الطلبة المغاربة فى باريس! والحق أن دويلة قطر لم تكن تتردد فى دعم أى توجه إسلامى يتحدث عنه البعض ولم يكن سفيرها فى باريس متعمقاً فى فهم القضايا الإسلامية.. فقط كان مخولاً أن يوقع الشيكات وهو ما فضحته مؤلفة الكتاب الفرنسى، الذى شغل الوسط الثقافى والناس لعدة أيام، والذى أصبح مرجعاً أساسياً فى هذه الأيام لفهم خلفيات العناد القطرى الخاص بالدول الأربع التى قاطعت قطر وتقدمت بمطالب معينة تصب فى اتجاه ضرورة تجفيف منابع الإرهاب!! فالسؤال الذى يطرح نفسه على كل لسان الآن:
ماذا سيحدث بعد أن رفضت قطر القائمة؟ وهل ستكون المواجهات العسكرية بين الدول الخليجية وقطر شبه مؤكدة؟ وإذا لم يكن ذلك مطروحاً فما فائدة القاعدة العسكرية التركية هناك.. ثم القاعدة العسكرية الأمريكية.. وقوات الحرس الجمهورى الإيرانى التى تملأ جنبات القصر الأميرى فى الدوحة؟!
العقل السياسى الغربى كان يتكلم منذ فترة عن رفض الدوحة للقائمة، بل كان يتكلم عن حزمة العقوبات التى ستفرضها الدول الخليجية على قطر، نقلاً عن سفير الإمارات فى موسكو.. وعن إمكانية طرد قطر من منظمة مجلس التعاون الخليجى.. ثم فى النهاية المواجهات العسكرية غير المحبذة مع قطر.. لكن ما الحل وقطر قد حولت نفسها إلى أرض مدججة بالسلاح وملأت شوارعها وميادينها بالأجانب البالغ عددهم فى قطر أكثر من 90٪ من سكان الإمارة!
وأذكر أن سيناريو الحرب العالمية الثالثة قد أطل برأسه من جديد، فالحلبة الآن أصبحت مكتظة بالسلاح الأمريكى فى السعودية وفى قطر أيضاً ومثلما كانت الإمبراطورية العثمانية القديمة مسرحاً للحرب العالمية الأولى.. والبلقان كانت مهداً للحرب العالمية الثانية.. فكذلك الحال فإن قطر -فى المنطقة العربية- قد تكون مسرحاً لحرب عالمية ثالثة لن تبقى ولن تذر!!
والمشكلة أننا لا نتكلم عن هذا السيناريو وكأنه غير موجود مع أن الصحف الأوروبية لم تستبعده.. لكن تغير الموقف الأمريكى مؤخراً من أحداث قطر.. كما جاء على لسان الرئيس ترامب هو الذى لم يقذف بهذا السيناريو إلى الواجهة!
فالرئيس ترامب كان يتكلم قبل أيام عن ضرورة «معاقبة قطر» لكن بعد أن وقعت الدوحة معه عقوداً بقيمة 12 مليار دولار لشراء أسلحة أمريكية بدأ يتكلم عن التعاون فى مكافحة الإرهاب، صحيح أن الدول الخليجية تتحدث عن عقوبات جديدة وتستبعد المواجهات العسكرية.. لكن هذا لا يمنع من أن جميع السيناريوهات مفتوحة.. ورفض قطر للقائمة وعنادها وتفكيرها بعقول تركيا وإيران ومن ورائهما إسرائيل لا يبشر بخير.
ولا يجب أن ننسى أن قطر تقلد إسرائيل.. فهى على الرغم من صغر حجمها كإسرائيل لا تعير القوانين الدولية أى اهتمام.. وتتصور أن وفرة الأموال لديها واكتظاظ السلاح فى شوارعها وميادينها يمكن أن يضمن لها النجاح فى عنادها مع محيطها العربى، وترفع الآن كنوع من التمويه «ضرورة الحوار»، ونسيت ما قاله عادل الجبير، وزير الخارجية السعودية، بأن القائمة التى تقدمت بها الدول الخليجية ومصر لا تقبل الحوار.
باختصار: إن قطر قد مزقت العالم ليقف على شفا سوء فهم قد ينذر بشرور كثيرة.. ولا أمل يذكر فى الدول الكبرى التى لا تفكر إلا فى ذاتها، بمعنى أن سيناريو المواجهة العسكرية ما زال قاب قوسين أو أدنى!
وقد يواجه البعض فجأة.. وقد يتأخر.. لكن أبداً لن يختفى! أو يزول!