.. فى كلية الاقتصاد والعلوم السياسية بجامعة القاهرة وقبل أربعين عاماً طلب منا الدكتور أحمد يوسف أحمد -أطال الله فى عمره- بحثاً عن جامعة الدول العربية ودورها فى الحرب الأهلية اللبنانية التى كانت مشتعلة فى ذلك الوقت.. وأذكر أنى كتبت عن الدور الهزيل للجامعة.. التى بدا أن لا دور لها!! وانتهيت إلى دعوة المواطن العربى العادى أن يحمل معوله ويأتى إلى شاطئ النيل فى القاهرة ليهدم هذه الجامعة التى أصبحت عاراً على العرب ولا تفعل أى شىء وكأنها بالفعل خيال المآتة العربى الذى لا قيمة له!!
واليوم يتجدد نفس الكلام، فالجامعة العربية فى هذا الزمن لم تفعل أى شىء رغم أن المنطقة العربية تعج بأحداث وأزمات من صلب مهام الجامعة.
فمثلاً الأزمة القطرية أو الخليجية تتفاقم يوماً بعد يوم وتتجه نحو التصعيد وعندما تم رفعها إلى الأمم المتحدة رأت هذه الأخيرة أنها عربية صرفة، وعلى جامعة الدول العربية -كمنظمة إقليمية- أن تبت فى أمرها.. ورغم ذلك لم نسمع عن الجامعة وكأنها ودن من طين وأخرى من عجين!
والحق أن هذه الجامعة قد اختارت أن تكون كالقصور الخربة التى تسكنها «الهداهد والوطاويط» أو كأنها جامعة لا تهتم إلا بما يحدث فى الكواكب الأخرى، مثل كوكب زحل! فلا حس ولا خبر لها.. ولأن دول الخليج وما يحدث فيها ليست على كوكب زحل فلم تهتم بأزماتها وأحداثها الجامعة.. فمثلاً تنشغل تركيا بجنودها الذين نقلتهم إلى قطر وببناء قاعدة عسكرية قطرية.. ورغم أن الجامعة ترفض أن تأتى دولة عضو فيها بجنود وقوات غير عربية إليها فتهدد الأمن القومى العربى.. إلا أنها وكأنها أصيبت بالعمى فلا ترى شيئاً.. فلم يصدر عنها حتى الآن بيان واحد.. يفصل فى الأمر، ويرى أن قطر قد تجاوزت حدودها أو أن دول الخليج لم تراع الأصول العربية فى تعاملها مع دولة عربية أخرى..
صحيح أن المواطن العربى العادى المستهدف من أى سياسى قد فقد الثقة فى الجامعة العربية، ويرى أن وظيفتها الوحيدة فى أحسن الأحوال هى صدور بيان شجب أو إدانة وكأن شيئاً لم يكن!
وأقول الحق حتى هذا البيان الهزيل لم يصدر.. وإذا صدر فلإرضاء دول بعينها وإغفال أخرى.. مثل الأزمة السورية التى أعطت فيها جامعة الدول العربية مقعد سوريا للمعارضة السورية.. ولم يعد يعرف أحد هل هى جامعة معارضة أم جامعة حكومات.. ناهيك عن الأزمة القطرية التى تهدد باندلاع حرب قد لا تبقى ولا تذر.. فلم تحرك ساكناً!
المؤسف أن جامعة الدول العربية لم تشعر بأنها ارتكبت جرماً فى حق الأمن القومى العربى أو فى حق المواطن العربى الذى كان يرى فيها بارقة أمل أو أن يصطف وراء مواقفها التى كان ينبغى أن تكون مواقف عربية أصيلة!
الغريب أن شيئاً من هذا لم يحدث وبات البعض يتندر عليها ويتذكر العبارة المنسوبة إلى سعد باشا زغلول عندما التقاه فى باريس بعض العرب وتحدثوا معه فى أمر جامعة تضم أصوات العرب، فقال لهم: ما هى نتيجة جمع صفر إلى أصفار!
والحق أن جامعة الدول العربية ليست إلا صفراً كبيراً فى حياة العرب، صحيح أن البعض قد يدافع عنها قائلاً إن إرادة الجامعة العربية ليست إلا مجموع إرادات الدول الأعضاء فيها.. وطالما هذه الإرادات ممزقة ومتضاربة.. فهكذا تكون إرادة الجامعة العربية!!
لكن هذا الصمت الذى تتشبث به الجامعة مخجل، لأن مؤسسات دولية أخرى مثل الأمم المتحدة بدأت على استحياء تتعاطى مع الأزمة القطرية لكن الجامعة العربية لا تدرى من أمر نفسها شيئاً!
لقد ضاعت هيبة الجامعة العربية.. وما يحيرنى على المستوى الشخصى أن أحداً من كبار موظفيها مثل أمينها العام لم يتحرك.. فالأزمة القطرية تتوالى فصولها.. ويزور المنطقة العربية وزراء خارجية أمريكا وروسيا وبريطانيا وألمانيا.. ولم يتحرك أحد.. وكأن هذه الأزمة تدور فصولها فى منطقة غير عربية.
باختصار لقد كشفت الأحداث العربية فى السنوات الأخيرة أن هناك خللاً كبيراً فى الجامعة التى إما أن تصلحه أو أن تفنى وتذبل وتدخل دائرة العدم.
ومما يزيد القلب حسرات أنها استعذبت حياتها الهامشية وتحلت -إن جاز ذلك- باللامبالاة.. خوفاً على مصالح بعض موظفيها، خاصة أمينها العام الذى تشعر بأنه جاء للإجهاز على الجامعة!
إن الأزمة القطرية الحالية تنذر بكثير من الشرور ولم تتحرك الجامعة مما يثير فى النفس علامات استفهام أكثر مما يقدم من إجابات، وأكاد أقول إن أحد أسباب التخلف العربى الذى نعيشه هو الجامعة العربية التى باتت لا معنى لها.
ولا ننسى أن الأمل معقود عليها أن تتصدى للأزمات التى تعصف بالأمة العربية والبداية هى معالجة الضعف وحالة الهزال التى تعيش فيها منذ زمن.. فأصبحت والحالة هذه علامة فرقة وانقسام بعد أن كان الهدف الأول لها أنها علامة قوة واتحاد!
الجامعة العربية فى خطر.. فأفضل لها أن تغير نفسها وأن تنقى صفحتها مما علق بها من أدران وأغراض سياسية وشخصية من أن تظل على حالها من الضعف والهوان كما هو الحال الآن.
والحق إن أحد أبنائها قد حاول طرح قضية الإصلاح وتحدث عن أمور كثيرة مثل محكمة عدل عربية.. ولكن ربما شق عليها الإصلاح فعادت إلى عادتها القديمة.. والمخجلة!!