لا يوجد دور عربى فى الأزمة السورية هذه حقيقة تُحزن كل عروبى، لا نشاهد أى ممثل لأى دولة عربية أو للجامعة العربية فى مباحثات أستانا الخاصة بمناطق خفض التوتر الأربع، أو مباحثات جنيف المتعلقة بالتوصل إلى صيغة حل سياسى شامل لسوريا، وحين تحدث مشاورات مع أمين الجامعة العربية فتحدث من قبيل ذر الرماد فى العيون لا أكثر ولا أقل، إذ يعرف العالم بأسره أن الجامعة لا تملك تأثيراً أو توجيهاً للأوضاع الميدانية أو السياسية الخاصة بسوريا. السبب كما هو معروف يعود إلى تجميد عضوية دمشق فى الجامعة العربية منذ نوفمبر 2011، وتدويل الأزمة كلية، حين كانت قطر تصول وتجول فى الشئون العربية بلا خجل لا سيما فى الدول التى تعرضت لاضطرابات الهبات الشعبية مطلع ذلك العام، وكان وراءها دعم خليجى ودولى هائل قاد فى النهاية إلى عزل النظام السورى عربياً، وبما دفعه إلى جانب عوامل أخرى إلى تعويض هذه العزلة بمزيد من تعزيز علاقاته مع إيران وحلفائها فى كافة المجالات تقريباً، من أجل مواجهة الضغوط المتزايدة آنذاك عسكرياً وسياسياً من قبل دول عربية ومعها تركيا أرادت إسقاط النظام لصالح جماعات مسلحة تحت عنوان المعارضة وأخرى إرهابية بكل معنى الكلمة، وكلاهما استورد البشر والسلاح والدعاية السوداء لهذه المهمة، ولكن بعد ست سنوات لم تفلح هذه الجماعات المسلحة والإرهابية إلا فى تشريد السوريين وتدمير الحاضرات السورية والمدن التاريخية، وبعض منها يركز على العمل السياسى ويسعى مدعوماً بتأييد عربى وإقليمى أن يكون شريكاً فى أية تسوية يمكن التوصل إليها وفقاً لاتفاقات جنيف.
الاتفاق الخاص بجنوب سوريا، الذى يتضمن محافظتى درعا والقنيطرة كسر قاعدة الغياب العربى جزئياً من خلال ضم الأردن إلى صلب الاتفاق الذى توصل إليه الرئيسان بوتين وترامب على هامش قمة العشرين فى هامبورج بألمانيا. وجود الأردن فى اتفاق خاص تضمنه القوتان الكبريان فى العالم يرجع إلى عدة عوامل، أهمها أن الأردن هو مقر مركز دعم وتسليح وتدريب الجماعات المسلحة التى تقاتل الجيش السورى بدعم مباشر من الولايات المتحدة والغرب إجمالاً والمعروف باسم «موك» ويضم 54 أو 58 فصيلاً مسلحاً ما بين صغير ومتوسط، كما أن له حدوداً مشتركة مع سوريا بحاجة إلى ضبط وهدوء، وله أيضاً علاقة ومعاهدة سلام مع إسرائيل التى يرمى الاتفاق الأمريكى الروسى إلى ضمان مصالحها فى أية أوضاع مستقبلية سورية، وأهمها ألا يكون هناك أى وجود لجماعات إيرانية على الحدود فى منطقة الجولان.
الدور الأردنى فى تثبيت منطقة آمنة فى جنوب سوريا يظل فى الأول والأخير دوراً أردنياً فى إطار علاقاته الأمريكية، صحيح له رمزيات عربية، ولكنها يعبر عن المصالح الأردنية بالدرجة الأولى، ومن ثم فلن يكون له تأثير مباشر فى تحديد مستقبل سوريا، الذى يخضع حالياً لتأثير أربع قوى رئيسية وهى الولايات المتحدة وروسيا وتركيا وإيران، وكل منها له وجود مهم على الأرض السورية بمبررات مختلفة، إضافة إلى قوة خامسة وإن كان بتأثير مختلف، وهى السعودية التى تستضيف الهيئة العليا للتفاوض منذ نهاية 2015 والتى تضم فصائل سياسية وعسكرية متنوعة ليست على وفاق تام بشأن مفاوضات جنيف ونتائجها المحتملة.
التفاصيل السابقة تؤكد أن عزل سوريا عربياً أضر بها إضراراً بالغاً، كما أضر أيضاً الدول العربية نفسها، سواء التى على تماس مباشر بالأزمة السورية، أو تلك التى لعبت أدواراً هامشية بين حين وآخر، أو عبرت عن مواقف تضامنية مع الشعب السورى وحماية الدولة السورية ومؤسساتها فى إطار التأكيد على المبادئ دون ربط ذلك بالضرورة بتحرك فعلى على الأرض، ولا شك أن النتائج النهائية لتسوية الوضع السورى سوف تعكس الأوزان النسبية للقوى المُتدخلة، كل حسب وزنه، وبالتالى فلن تعكس وزناً عربياً ذا بال، ومع ذلك يمكن القول إن الأمر لم يُحسم بعد، وهناك مجال حتى ولو كان محدوداً الآن يمكن من خلاله أن يستعيد النظام العربى بعض تأثيره المفترض، بل والضرورى عمل كل شىء من أجل تعزيز هذا التأثير لأنه يتعلق بالمستقبل وبتوازن قوى عربى إقليمى سيمتد لسنوات طويلة مقبلة.
سوريا وليس الأسد كشخص بحاجة إلى ظهير عربى حقيقى، يخفف نسبياً من التأثيرات الإقليمية السلبية، كما أن العرب سيفقدون الكثير جداً إذا ظلت سوريا بعيدة عن نظامها العربى الطبيعى وبقيت أسيرة لتفاهمات وتدخلات دولية وإقليمية، وفى هذه الحالة ليس أمام العرب وبلدانهم الرئيسية سوى إعادة النظر فى موقفهم تجاه دمشق الآن وليس بعد تحقيق تسوية بعيدة عنهم قد لا تتحقق إلا بعد سنوات، نعرف أن هناك دولاً عربية تميل إلى طرح موضوع عودة دمشق إلى الجامعة العربية ولكنها مترددة، وأخرى تتعلل بأن نظام دمشق الراهن هو نظام تلوثت أياديه بدماء شعبه ولا يجوز التصالح معه، وتطرح المعارضة بديلاً له، غير أن هذه المعارضة ليست مقبولة عربياً، فهى ليست مبرأة من دماء السوريين أو من جلب قوى استعمارية خارجية داست على سوريا وشعبها وسيادتها وتسببت فى خراب شنيع، وإذا كانت خطيئة نظام دمشق أنه استجلب دعماً إيرانياً وروسياً تنظمه قواعد عرفية ودولية لأنه النظام المعترف به دولياً، فإن المعارضة السورية التى لا يعترف بها سوى دول محدودة فقد جلبت للأسف إرهاباً واحتلالاً سافراً وطموحات تركية غير مشروعة، وفى المحصلة خراب ودماء سيدفع ثمنها السوريون لعقود طويلة.
إن استمرار الجمود الراهن بشأن عودة سوريا إلى عضوية الجامعة العربية يَضُر بالعرب أكثر مما يضر أحداً آخر، كما أن انتظار التسوية برعاية قوى ليس بينها طرف عربى يُحسب له ألف حساب يعنى فى حقيقة الأمر بيع سوريا إلى اللئام، نوبة الصحيان العربية مطلوبة، وعلى الجميع أن يراجع نفسه، ومن لم يخطئ فيرمى الآخرين بحجر، إذ ليس معقولاً أن يدعو سيرجى لافروف وزير خارجية روسيا فبراير الماضى، وقبل وقت قصير من انعقاد القمة العربية الثامنة والعشرين بعمان، برفع التجميد العربى عن دمشق وأن تعود عضواً وأن تعود الجامعة طرفاً مساهماً فى حلحلة الأزمة السورية، ويكون الرد أن الأمر ليس محل توافق عربى حسب قول أحمد أبوالغيط أمين عام الجامعة العربية، فمتى سيأتى هذا التوافق والكل مُصرّ على التجاهل واللا مبالاة؟!