«بلبيس المركزى».. عجز فى عدد الأطباء.. وتبرعات الأهالى للنهوض بالمستشفى بدون فائدة بسبب الإهمال.. والمدير يرفض التعقيب
طفلة تجلس بجوار والدتها تتنظر الكشف عليها
بوابة كبيرة تتوسط سوراً يمتد لعدة أمتار، تعلوه لافتة دوّن عليها «مستشفى بلبيس المركزى»، يضم داخله عدة مبانٍ لأقسام «الأطفال والنساء والتوليد، والطوارئ، والعناية، والإدارة، والغسيل الكلوى، والأقسام الداخلية»، بالإضافة إلى مبنى عناية جارٍ تجهيزه بتكلفة 7 ملايين جنيه تم جمعها كتبرعات من الأهالى فى محاولة للنهوض بالمستشفى الذى يعانى من الإهمال المتعمد والتجاهل التام من وزارة الصحة.
والدة أحد المصابين تطلب من مراسلة «الوطن» الكشف على ابنها بسبب غياب الأطباء
داخل مبنى الاستقبال وقفت سيدة ثلاثينية تبحث عن طبيب يعالج ابنها، تقدمت نحوى مسرعة وأمسكت بيدى مرددة «يا دكتورة ابنى رجله عاوزة تتخيط وأنا هنا بقالى ساعة ومش لاقية دكتور»، وقبل أن أخبرها أننى لست طبيبة ولكننى صحفية، أمسكت بيدى وتوجهت إلى داخل غرفة يجلس ابنها فيها على سرير غير مفروش «بدون ملايات»، ثم حضر أحد الأطباء وأجرى له الإسعافات اللازمة.
فى قسم الأطفال أكد المرضى أن الأطباء وأطقم التمريض يتابعون علاج أبنائهم بشكل جيد، إلا أن القسم فى حاجة للاهتمام بالنظافة بشكل جيد، خاصة أن الذباب يملأ الغرف، وينتشر حول المرضى والأسرة، مطالبين بتوفير الأدوية اللازمة.
«الوطن» التقت ببعض الأهالى وتحدثت معهم، حيث قال «شريف محسب» 45 عاماً، من مدينة بلبيس «أنا مريض بالقلب منذ عامين وعندما أصاب بأزمة قلبية أتوجه لمستشفى بلبيس المركزى»، مشيراً إلى أنه يضطر لشراء الأدوية على نفقته الخاصة، التى تصل تكلفتها لـ2000 جنيه شهرياً.
وتابع: «فى بعض الأحيان لا أجد سريراً بالعناية المركزة ويبدأ أقاربى رحلة البحث فى المستشفيات عن سرير بالعناية المركزة»، مشيراً إلى أنه خلال الشهرين الماضيين تم نقله لمستشفى بلبيس ورفض المستشفى استقباله لعدم توافر سرير بالعناية فتوجه لمستشفى الأحرار التعليمى بمدينة الزقازيق ولم يجد سريراً أيضاً، ثم توجه لمستشفى القنايات المركزى، لافتاً إلى أنه استغرق نحو الساعتين للوصول للقنايات، مضيفاً: «عدم توافر الأسرَّة بالعناية المركزة من أكبر المشكلات التى تواجه المرضى، وممكن يموتوا قبل وصولهم للمستشفيات فى مراكز تانية بسبب طول المسافة، ومن حوالى 3 شهور أخويا أصيب بجلطة ونزيف فى المخ مالقيناش سرير عناية فى بلبيس ووفرنا له سرير بالعافية فى مستشفى الأحرار وبالواسطة».
وقال أحمد خيرى، 40 عاماً، عامل: «أصبت بكسور أثناء عملى بمصنع فى مدينة العاشر من رمضان قبل انتهاء شهر رمضان بـ4 أيام، وتم نقلى لمستشفى التأمين الصحى بالعاشر ثم تحويلى لمستشفى بلبيس المركزى، وكانت عقارب الساعة تشير لـ7 صباحاً، واضطررت للانتظار حتى الساعة الـ9 لحين حضور الأطباء، وأجرى أحدهم لى الفحوصات الطبية. وأجرى الطبيب تجبيراً لقدمى وأخبرنا أننا فى حاجة لإجراء عملية جراحية لتركيب شرائح بالحوض وقالى لى: انتظر دورك بعد نحو أسبوعين بسبب إجازة عيد الفطر، وعندما طلبت منه تقديم موعد العملية نظراً لحاجتى للشفاء سريعاً لمعاودة العمل والإنفاق على أسرتى أخبرنى بأنه يمكننى إجراء العملية فى ذات اليوم، ولكن فى القسم الفندقى بالمستشفى بتكلفة 8 آلاف جنيه».
وأضاف: «ماكانش معايا مبلغ العملية ولجأنا للجمعية الشعبية لتنمية المجتمع وتدخل مجلس الإدارة وتم تخفيض التكلفة من 8 لـ5 آلاف جنيه، واستطعنا جمع المبلغ من خلال الاستدانة وتبرعات الأهالى، وكان هناك مريض آخر فى حاجة لإجراء عملية أيضاً ونظراً لعدم قدرته على دفع تكاليف العلاج بالقسم الفندقى قام شقيقه بنقله لمستشفى الزقازيق الجامعى».
ويؤكد إبراهيم الزهار، عضو الجمعية الشعبية لتنمية المجتمع وحماية المستهلك بمركز بلبيس، أن «المستشفى كان فى حالة يرثى لها وسعت الجمعية بالتنسيق مع رجال المجتمع المدنى لتلبية احتياجات المستشفى بالجهود الذاتية من خلال التبرعات لتوفير مستوى جيد من الرعاية والخدمات الطبية للمرضى، إلا أن ذلك قابله تجاهل من قبل الصحة وأصبحت الأجهزة التى تم تزويد المستشفى بها معطلة بسبب عدم وجود أطباء».
وتابع «الزهار»: «استطعنا بالجهود الذاتية إنشاء عناية متوسطة بقوة 6 أسرَّة وإضافة سريرين للعناية الفائقة، و3 أسرة لعناية النساء منذ نحو عام ونصف، إلا أنه لم يتم تشغيلها حتى الآن بسبب عدم توافر أطباء بالعناية، كما تبرع أحد الأهالى بالتعاون مع الجمعية بـ14 حضانة وجهازى تنفس صناعى تكلفتهما 165 ألف جنيه، مما ساعد على تقديم الخدمة الطبية للأطفال، وفى وقت لاحق تبرعوا بـ6 حضانات أخرى لم يتم تشغيلها حتى الآن بسبب عدم وجود أطباء».
وواصل حديثه قائلاً: «تكلفة إدخال الطفل الحضانة فى المستشفى الحكومى 20 جنيهاً وفى أى مستشفى خاص تصل لـ200 جنيه، وأنه من المفترض تزويد المستشفى بالأطباء لتشغيل الحضانات رحمة بالأهالى خاصة الفقراء، وتم تزويد المستشفى بـ8 ماكينات غسيل كلى ووعد وكيل وزارة الصحة السابق بأنه سيتم تزويد المستشفى بـ6 ماكينات أخرى لتغطية احتياجات الوحدة، إلا أن ذلك لم يحدث على الرغم من انتهاء العمر الافتراضى لعدد من الماكينات القديمة بالوحدة، مما يؤدى إلى تعطلها ويضطر المريض للانتظار 4 ساعات لحين بدء شيفت جديد»، مؤكداً أن هناك قائمة انتظار تضم 46 مريضاً رفض المستشفى استقبالهم لعدم وجود ماكينات، ما دفعهم للتوجه إلى مراكز أخرى تبعد نحو ساعتين أو ثلاث فى المواصلات، لافتاً إلى أن الوحدة تحتاج لـ10 ماكينات.
وتابع: «الجمعية زوّدت المستشفى بأسرَّة جديدة و200 ملاية لقسم الكلى والعديد من المستلزمات الطبية منها الجوانتيات، وسرنجات المحاليل، و5 أجهزة تكييف 7 حصان و5 حصان، ورفع كفاءة الكهرباء الخارجية للمستشفى». وأردف «نعانى من كثير من المشكلات بسبب نقص الأطباء والتمريض والأدوية»، موضحاً أن معظم الأطباء استشاريون وأخصائيون ينتهى عملهم بحلول الساعة الثانية ظهراً، وهناك نقص فى الأطباء «النوب» الذين يفترض أن يكونوا موجودين فى المستشفى على مدار اليوم بالتناوب. وأشار إلى أن قسم الحروق لا يوجد به سوى طبيب «أخصائى» ولا يوجد بحلول المساء، وفى حال توجه أى حالة مرضية للمستشفى يتم الانتظار حتى استدعاء الطبيب ويستغرق ذلك نحو نصف ساعة أو ساعة.
وأضاف أن «قسم العظام يعد من أسوأ الأقسام بالمستشفى، حيث لا تجرى عمليات العظام إلا يوماً وحداً فى الأسبوع وإذا توجه مريض يحتاج عملية للمستشفى فى اليوم المخصص للعمليات لا يكون أمامه سوى الانتظار للأسبوع المقبل أو يطالبه المستشفى بالتحويل للقسم الفندقى، الذى يحتاج لـ5 آلاف جنيه لإجراء العملية فيه، وهذا يعد استغلالاً للمرضى لأنه إذا كان يمكن إجراء العملية فى القسم الفندقى دون الانتظار لليوم المخصص للعمليات، فلماذا لا تجرى له العملية بالمجان؟».
وكشف أحد الأطباء -رفض ذكر اسمه- أن المستشفى يعانى من عجز شديد فى الأقسام الحرجة مثل العناية المركزة، حيث يوجد طبيبان أو ثلاثة فقط فيما يحتاج المستشفى لـ6 أطباء آخرين، وعجز فى أطباء الطوارئ بالرغم من زيادة فى عدد الأطباء فى أقسام غير حيوية مثل «الجلدية، والعلاج الطبيعى، والصيادلة» مشيراً إلى أن إجمالى قوة العاملين فى المستشفى 800 من «أطباء وممرضين وإداريين وفنيين وعمال».
وأشار إلى أن أجهزة الغسيل الكلوى بالمستشفى عمرها الافتراضى انتهى ولابد من تغييرها، لافتاً إلى أن ثمن الماكينة قبل زيادة الأسعار كان 60 ألف جنيه، وحالياً وصل ثمنها لـ190 ألف جنيه، مضيفاً أن المستشفى يعمل بقوة 170 سريراً، ويتردد على العيادات الخارجية 1200 مريض، فيما يتردد على قسم الاستقبال يومياً نحو 110 مرضى، مشيراً إلى توفر كافة التخصصات بالمستشفى عدا «جراحة المخ والأعصاب والقلب والصدر».
حاولنا مقابلة مدير المستشفى الدكتور «محمد عياد» فرفض الإدلاء بأى تصريحات، ورفض الرد على كل ما يثار من مشاكل على لسان المرضى والمترددين على المستشفى.