أنا الأستاذة رباب.. أخصائية نفسية في إحدى المستشفيات في دولة عربية شقيقة.. وبما إني مصرية فبيتوافد عليا كتير من المصريين طمعا في دردشة أو الفضفضة أكثر منها استشارة طبية.. وطبعا لأننا جميعا مغتربين وقصصنا وشكوانا بتدور في فلك الغربة.. فأنا أسميت عيادتي عيادة المغتربين..
كل مرة هحكي لكم قصة.. وهخليكم تشاركوا أصحابها حيرتهم وأوجاعهم
(التعود يقتل الحب أحيانا)
- أهلا أستاذ يحيى
- أهلا يا دكتورة.. معلش أنا متوتر.. بس أصل دي أول مره أروح لدكتور نفسي
- أنا عايزاك تبقى هادي خالص.. واتكلم كأني مش موجودة.. كأنك بتكلم نفسك تمام.. وصدقني أنا مش هحكم عليك أي حكم مسبق.. ومش هديك رأي إلا لما تطلب مني ده.. وطبعا مش هقاطعك خالص.. اتفضل
- أنا يحيى.. مهندس متزوج من 11 سنة.. وعندي ولد وبنت.. بقالي هنا 7 سنين عايش لوحدي.. بنزل مصر إجازات.. طول يومي في الشغل.. برجع اتغدى وأنام.. ده روتيني العادي.. بحس نفسي على طول مجهد وتعبان.. بس بقالي فتره بشوف كوابيس وأحلام مزعجة.. بحلم بإني بموت لوحدي وماحدش بيحس بيا.. حاسس إن عمري بيجري من غير ما أحس.. مش قادر أحس أبدا بالراحة.. حتى لما بنزل إجازة بحس نفسي غريب في وسط الناس.. غريب حتى عن مراتي وولادي.. بقعد شهر شهرين وأمشي
- طب حضرتك ما فكرتش تجيبهم هنا معاك؟
- أكيد فكرت بس مراتي وولادي موافقوش
- ليه
- خدو على الحياه في مصر ومبتعجبهمش الحياه هنا.. حضرتك عارفة هنا قيود وحبسة.. لكن في مصر وسط العيلة والأصحاب أكيد الوضع بيبقى مختلف
- طب فكرت تنزل مصر؟
- أكيد فكرت.. بس كل ما أحاول آخد قرار أهلي ومراتي يخوفوني.. مفيش على لسانهم غير "مش هتلاقي شغل.. والعيشة صعبة.. والأسعار غالية".. أحيانا بحس إني مجرد بنك بيجيب فلوس وبس.. تصدقي حضرتك أنا عندي 3 أخوات بيشتغلوا ومرتاحين ماديا.. وعندي 3 إخوات تانيين لسه في المدارس.. أصل أبويا الله يرحمه بقى كان مزواج.. كل شوية يتجوز ويخلف.. ومحدش بيصرف مليم غيري.. بس أعمل إيه أمي وإخواتي أيتام ما أقدرش أسيبهم.. فكرك يعني أعمل إيه؟
(طبعا أنا طلبت منه إني أتواصل مع زوجته عشان أحاول أفكر معاها في حل الموضوع ده.. وطبعا كنت محتاجة أسمع منها.. وهو وافق)
وتم الاتصال التالي..
- ألو مساء الخير مدام علا.. أنا الأستاذة رباب.. جوز حضرتك....
- أيوه هو بلغني.. حضرتك حابة تعرفي إيه؟
- حضرتك احكي اللي تحبيه.. أنا حابة اسمع منك عموما
- طبعا حضرتك عايزة تسأليني أنا ليه مش حابة أعيش عندك.. وحابة أفضل هنا في مصر.. أنا هقول لك.. أيوه أنا محبتش الحياة هناك.. لأنه مكانش عايزني أحبها
- يعني إيه مش فاهمة؟
- يعني هو جابني شهر في مدينة تعتبر أرياف مفيهاش أي نوع من الترفيه ولا حتى مدارس كويسه.. حتى الشقة كانت سيئة جدا.. بمعنى أصح التجربة كانت في منتهى السوء.. وبعد ما الأمور بقت أحسن واتنقل لمدينة أفضل أخد شقة أوضة وصالة.. وكل ما يتكلم يقول لي العيشة غالية والمدارس غالية.. فكرك أنا ممكن أقول إيه؟ اوعي تفتكري إني مبسوطة وأنا أب وأم مع بعض.. مسؤولة عن كل حاجة وشايلة حمل جبال لوحدي.. أحيانا بخاف يحصل لي حاجة وأنا لوحدي والولاد يتبهدلوا.. حياتي كلها قلق ومفيهاش راحة أبدا
- طب حضرتك مش عايزاه يرجع ليه؟
- أنا مش عايزاه ! ليه؟ أنا نفسي يرجع ونستقر بدل عمرنا اللي بيضيع ده.. لكن هو أول ما الفلوس تقل بيتحول إنسان تاني عصبي ومش طايق نفسه مضغوط ومش محتمل
- ما إنتي أكيد عارفة السبب
- أكيد عارفة.. عارفة إنه شايل حمل كبير عشان كده ساكتة ومابتكلمش
- عشان كده بس.. ولا عشان اتعودتي على غيابه
- مش هكدب عليكي.. إحنا اتعودنا على كده خلاص وهو كمان اتعود.. مش عارفة ده صح ولاغلط.. بس ده نصيبنا وقدرنا ولازم نعيشه.
خلصت حلقتنا النهاردة..
انتظرونا في حلقة جديدة من عيادة المغتربين.