التجار وأصحاب المدابغ: «البقاء للأغنى».. ولسنا قادرين على الصمود فى وجه «حيتان السوق»
يحيى همام
اتفق أصحاب مدابغ الجلود ومحلات بيع مستلزمات صناعة الأحذية على أن البقاء فى هذه المهنة أصبح للأقوى مادياً، وأن أصحاب الورش والمدابغ الصغيرة هم الضحية، وبالتالى هم وحدهم من يدفع الثمن، مشيرين إلى أن صناعة الأحذية فى مصر تعيش أزمة حقيقية بسبب ارتفاع تكلفة التشغيل وتقلص هامش الربح، بل وتكبد الصغار خسائر كبيرة فى ظل عدم قدرتهم على الصمود أمام «حيتان» السوق.
«الوطن» قامت بجولة داخل ورش صناعة الأحذية وتنقلت بين المدابغ لرصد هذه الأزمة العنيفة التى تضرب قطاعاً كان من أهم القطاعات فى مجال الصناعة بمصر لسنوات طويلة قبل أن يضربه المستورد فى مقتل.. فى بداية الجولة شاهدناه يجلس أمام محله فى بئر حمص بمنطقة باب الشعرية منتظراً قدوم زبائنه، إنه «يحيى همام»، 42 عاماً، أحد تُجار بيع مستلزمات صناعة الأحذية، الذى يعمل فى هذا المجال منذ نحو 27 عاماً.. اقتربنا منه لنتعرف على حقيقة الأوضاع داخل السوق، فقال بأسى إنه يعانى من عدة أزمات دفعة واحدة؛ هى ارتفاع سعر الدولار والجمارك، والقرارات التعسفية غير المدروسة، مشيراً إلى أن الجميع فى دائرة واحدة ولكن منظومة صناعة الحذاء يسيطر عليها أحياناً الجهل، مما دفع البعض إلى اتهام الآخرين بالجشع، مضيفاً: «إحنا ماعندناش خامات أولية بتتصنع فى مصر، والمنتج بتاعى كخامات صناعية تتعمل أحذية وشنط كان بييجى من الصين، لكن دلوقتى رفعوا عليا الشريحة بتاعة دخولها مصر، يعنى لو كمية تمنها بالعمولة نحو 50 ألف جنيه دلوقتى هتدخل فى 250 ألف جنيه، وكل ده خلال خمس شهور، ده غير الدولار اللى اترفع من 7 جنيه إلى 18 جنيه وبعمولة تحويل الفلوس وصل إلى 19 جنيه».
الصناعة تواجه أزمة حقيقية بسبب ارتفاع تكلفة التشغيل وتراجع الأرباح.. والصغار الخاسر الأكبر
وحول ارتفاع أسعار المستلزمات بشكل كبير قال «همام»: «المتر اللى كنا بنبيعه بـ25 جنيه بقينا بنبيعه بـ60 جنيه ومش كسبانين فيه، ده كنا بنكسب فيه أكتر لما كان بـ25 جنيه، ولما اترفع سعره مابقتش عارف أزود المكسب بتاعى لأن الزبون ضاغط على السعر وعايز يقرص عليا، وباضطر إنى أقلل فى الخامة عشان أقلل فى السعر وبكده الجودة هتبقى فى النازل، والأسعار فى الطالع والمُصنع بيشتكى منى».
ويؤكد «همام» أنه يتعامل مع أصحاب الورش بالآجل، حيث يُقسط لهم المبلغ على مدار العام، والقسط الأخير يتسلمه يوم وقفة عيد الفطر، مضيفاً: «بالمسمى التجارى بتاعنا أنا بديله نَفس عشان يشتغل ويوسع دايرته ويكبر فرشته، ودلوقتى أصبح البقاء فى المهنة دى للأقوى مادياً والجزمجى الصغير كده خلاص شكراً، والورش الصغيرة دى خلاص هى الضحية، واللى هيقدر يكمل السنة دى مش هيكمل بعد كده، وممكن أصحاب الورش يرجعوا يشتغلوا صنايعية تانى لأن تكاليفهم أصبحت كتيرة والتزاماتهم أكتر».
ويرى «التاجر الأربعينى» أن القرارات التى أصدرتها الحكومة جيدة للغاية، لأن هدفها هو نجاح المنتج المصرى وتشجيع الصناعة المصرية، ولكن تم تنفيذها دون دراسة ووعى كقرارات التعويم ورفع أسعار الوقود، أما عن غياب الصنايعية وانحدار صناعة الأحذية، فنكس رأسه حزناً وقال: «انهارده خلاص مابقاش فى صنايعية، واتحاد الصناعات والغرفة التجارية مانجحتش من سنين أنها تطلع منظومة تعليمية تفيد الصنعة، حتى العيل اللى كان بيتعلم الصنعة دلوقتى راح يشتغل على توك توك عشان هيكسّبه أكتر، ده أنا مرة كنت راكب توك توك واتفاجئت أن السواق عارفه وكان صاحب ورشة أحذية، وعرفت منه أنه قفل الورشة واشترى التوك توك عشان يشتغل عليه».
وعن مستقبل صناعة الأحذية فى مصر صرخ محذراً: «الصناعة فى خطر، ده قدم الجلد الطبيعى وصل إلى 50 جنيه بعدما كان بـ13 جنيه، وإحنا كتُجار مفيش حد راحمنا سواء حكومة أو ضرائب أو تأمينات وعندنا مشاكل كتيرة فى الصناعة وماحدش بيفكر فى صالحها وصالح البلد».
وفى جولة داخل «المدابغ»، التقينا عنتر حماد، صاحب إحدى المدابغ، حيث بدا متأثراً بالأزمة وبادرنا قائلاً: «إحنا مغلوبين على أمرنا، وبنجيب الجلد غالى والكيماويات بتاعته كمان غالية، وإحنا بنروح نجيب الجلد بسعر 850 جنيه، وعمرها ما حصلت قبل كده، والمصانع مظلومة معانا فى الأزمة دى»، موضحاً أنه كان يدخل المدبغة نحو 500 قطعة جلدية للذبائح، أما حالياً فأصبح يدخل مدبغته 100 أو 150 قطعة على أكثر تقدير.
وحول الاتهام الموجه للمدابغ بتصدير الجلود فى مراحلها الأولية للخارج بدلاً من توجيهها للمصانع رد «عنتر»: «الناس الكبيرة بس هى اللى بتقدر تصدر للخارج ودول أوروبا، لكن إحنا صغيرين مابنقدرش نعمل كده، ولو الجلد وصل سعره لألفين جنيه بردو هيبيعوه ويكسبوا من وراه». مؤكداً أن هؤلاء الكبار يبحثون عن المكاسب السريعة ويفضلون العائد الكبير عند تصديرهم للجلود إلى الخارج باليورو والدولار بدلاً من التعامل مع المصانع فى مصر بالجنيه.