من أولى المحطات التى يجب أن تتوقف عندها خطة (الإصلاح الاجتماعى) للمصريين، محطة (التدين الشكلى) والإسلام الطقوسى، حيث اختصرنا الدين على مدى السنوات الأربعين الأخيرة فى طقوس شكلية، وكان الأخطر أننا أثناء عبادتنا للشكل كفرنا بالجوهر، أسقطنا الجوهر لحساب المظهر، وأسقطنا المعنى لحساب الطقس.. وكان من أهم ملامح تديننا الشكلى هو ذلك الانتشار المفاجئ وغير الطبيعى لغطاء الرأس الذى ترتديه المصريات، حيث تبدلت صورة المصريات كثيراً، وبدلاً من صور الأبيض والأسود للمصريات بالفساتين الأنيقة والأجساد الممشوقة والابتسامة المليئة بالأمل، التى تتطلع نحو المستقبل، تبدلت الصورة لتصبح الصورة المعتمدة للمصرية هى صورة المرأة التى ترتدى غطاء للرأس، وزياً غير متناسق يغطى جسداً مكتنزاً مترهلاً، بينما تعلو الوجه نظرة متعبة تدّعى السعادة بينما هى فى أعماقها تعانى من الاكتئاب..
ولم يكن انتشار غطاء الرأس فى مجتمعنا أمراً عشوائياً، لكنه كان انعكاساً لتغيرات سياسية شهدتها مصر والمنطقة بعد نكسة يونيو، وانعكاساً لغزو ثقافى طال مصر بعد هجرة الملايين من أبنائها للعمل فى دول الخليج.. كان هناك ملايين الدولارات تُدفع من أجل نشر ما يسمى بالحجاب، وكانت هناك جماعة مثل جماعة الإخوان المسلمين الإرهابية تعتبر أن الحجاب هو رايتها السياسية التى ينبغى أن تُرفع فى كل مكان، وكان قادتها فى سنوات ما قبل ثورة يناير يعتبرون أن انتشار الحجاب بين النساء المصريات هو أكبر دليل على انتشار نفوذ الجماعة!
ولعل الأجيال التى شبت عن الطوق خلال عقدى الثمانينات والتسعينات تذكر الظاهرة التى كانت تسمى بـ(حجاب الفنانات) وهى ظاهرة صُنعت خارج مصر، ودفعت فيها دول خليجية ملايين الدولارات لفنانات بأعينهن حتى يرتدين الحجاب، وكان الوسطاء غالباً رجال دين ودعاة مشهورين، أحبهم المصريون وقدروهم لأنهم لم يعرفوا شيئاً عن الجانب الآخر لهم، ولم تكن الظاهرة طبيعية، لذلك سرعان ما خفتت بعد تفاهمات معينة بين الدولة المصرية وبين الجهات التى كانت تمول حجاب الفنانات.
ولم يكن السلفيون فى مصر بعيدين عن السباق.. إذ سرعان ما نزلوا حلبة السباق من خلال نشر النقاب بين سيدات الطبقات الريفية والبسطاء وهن فى أغلبهن الأعم ممن يدُرن فى فلك الاقتصاد السلفى ويعشن على مساعدات الجمعيات الخيرية السلفية..
والمعنى الآن أن ظاهرة انتشار غطاء الرأس هى ظاهرة سياسية ثقافية، كان وجودها ولا يزال مرتبطاً بنفوذ جماعة الإخوان المسلمين وأذيالها من الجماعات الأخرى، ولا يمكن للمجتمع المصرى أن يقول إنه تخلّص من نفوذ الجماعة، بينما العلامة التى اختارتها معياراً لانتشارها ما زالت تعلو رؤوس المصريات.. ليس مطلوباً من أحد أن يدعو إلى خلع الحجاب.. لكن حملة لكشف ماهية التدين الشكلى.. ولإعادة الاعتبار والحرية لحقوق المرأة المصرية، من شأنها أن تقضى على راية الإخوان المسلمين التى ترفعها الكثيرات دون أن يدركن ذلك.