تراجع التمسك بأصول الثأر وانتشار «الفُجر» فى الخصومة واستباحة دم الأطفال والنساء
صورة أرشيفية
حالة يرثى لها يعيشها الصعيد بعدما وصلت عمليات الأخذ بالثأر خاصة فى قنا، إلى ذروتها، بالخروج عن الأعراف والتقاليد العربية والإسلامية الموروثة منذ عشرات السنين، بين العرب بعضهم البعض، متخلين عنها دون مبررات فى السنوات الأخيرة، فأصبح المتناحرون يستبيحون حتى قتل الأطفال والنساء على غير المألوف، كما وصل الحال إلى تخلى صاحب الثأر فى الصعيد عن كرامته التى دوماً ما ينادى بها، عندما يلبس لباس النساء ليقتل خصمه، فكان فى الماضى الأخذ بالثأر بمثابة استرداد للكرامة وعزة النفس التى تمنح الحياة من جديد، ومن قواعد أخذ الثأر فى الصعيد المتوارثة عبر الأجيال، ألا يؤخذ إلا من الرجال ولا يصح قتل سيدة أو طفل، وأن يكون الرجل بالغاً ويمكنه حمل السلاح، وأنه لا ثأر لرجل سرق أو هتك عرضاً ولا من يتعرض لحرمات المنازل، ولا من قُتل عن طريق الخطأ إلا إذا رفض الدية أو الاعتذار عن تلك الأعمال، ولا بد أن يؤخذ الثأر من الشخص الذى قتل بنفسه ولا تتحمل باقى أسرته وزر فعلته، والثأر لا يعتبر ثأراً إلا إذا سالت دماء بمعنى أن القتل بالسم لا يعتبر ثأراً بل غدراً وخيانة، وفى حالة النية بأخذ الثأر لا تبلغ أسرة القتيل عن القاتل بل تقيد الشرطة الواقعة «ضد مجهول»، مع الاحتفاظ بملابس القتيل كما جرى العرف وتدفن الجثة ولا تقيم سرادق عزاء حتى الأخذ بالثأر، ولو بعد عشرات السنين، والتعبير عن الحزن يكون بالامتناع عن أكل اللحوم لمدة 40 يوماً على الأقل وبعض المناطق بالصعيد تصل بها المدة إلى عام، مع عدم الحلاقة، وعدم الاقتراب من المرأة حتى الأخذ بالثأر، كما أن الثأر لا يسقط بالتقادم، ولا يجوز فيه تأجير قاتل، وعار التخلى عنه يمس العائلة كلها والقبيلة بأجمعها، كما أن الثأر لا يؤخذ فى مكان آمن، ولا بد أن يحترم القاتل جثة خصمه ولا يتم التمثيل بها، وأن يقتله بنفس طريقة قتل المجنى عليه، وأن يكون وجهاً لوجه مع خصمه، ويكرم الخصم حال صحبته لضيف، ويتم إشاعة نبأ قتل الخصم لتعود لصاحب الثأر كرامته وكرامة عائلته، حتى إن البعض يعلن عن ذلك فى ميكروفون بالنداء «قتلت فلان الفلانى وأخذت بثأرى»، ومنهم من يقوم بإطلاق النيران فى سماء منطقته ابتهاجاً بالثأر، وأحياناً تطلق النساء الزغاريد.
القواعد المنتهكة: ألا يؤخذ الثأر إلا من الرجال وأن يكون المطلوب بالغاً وقادراً على حمل السلاح ولا يتم التمثيل بالجثة.. والقتل بالسم «غدر وخيانة»
وترصد «الوطن» بعض عمليات الثأر التى تخطت عرف وقواعد الأخذ بالثأر المتوارثة عبر مئات السنين التى كان يتوافق بعضها من نصوص القصاص العادل فى القرآن الكريم.
فى 2010، وقعت فاجعة كبرى شهدها نجع قرية الحجيرات بمركز قنا أثناء الذكرى السنوية الأولى لأحد أبناء إحدى العائلات، بإقامة سرادق عزاء وأثناء تلاوة القرآن الكريم، هاجم مسلحون السرادق وقتلوا 7 وأصابوا عدداً آخر، وذلك بسبب طفل قُتل عن طريق الخطأ، حتى سكت صوت الرصاص والدماء وصوت المقرئ، وتحول السرادق إلى بركة دماء ومقبرة للمعزين.
وفى إحدى قرى «فاو» بدشنا، تعرض مواطن للذبح بطريقة بشعة أثناء تناول الشاى فى سوق «الأحد» بقرية الأشراف البحرية فى مركز قنا، عندما أقبل عليه خصمه وفاجأه من الخلف وبمساعدة شقيق الجانى، تم وضع سكين على رقبة المجنى عليه، وفى لحظة تم سحبها، ليتناثر دمه فى الخيمة، لكنه نهض غارقاً فى دمه لملاحقة قاتله قبل أن تصعد روحه لبارئها فى الحال.
وفى بعض المناطق القبلية وقرى بعينها فى محافظة قنا ومحافظات الصعيد، تلبس الفتيات لباس الرجال كنوع من التمسك بالرجولة والقوة، ودائماً ما يعتبرون أن الفتاة التى تلبس ثياب الحريم عورة وخروجاً عن التقاليد، ويؤمنون بأن الأخذ بالثأر كرامة وعزة وفخر ورجولة، ولكن ما حدث فى إحدى قرى فاو العام الماضى أكد أن الأطراف المتخاصمة تخلت عن رجولتها، عندما لبس أحد المواطنين فى خصومة ثأرية مع شخص آخر، لباس سيدة ونقاباً وبيده ناموسية طفل صغير، كان بداخلها بندقية آلية، واستقل «توك توك»، وسار به حتى وصل إلى منزل خصمه الذى وجده فى وجهه وقتله وفر هارباً، وفى أواخر شهر رمضان الماضى تم قتل 3 سيدات بقرية الحجيرات عندما واجه أحد المتخاصمين خصمه بعد الإفراج عنه من مركز قنا، وبصحبته والدته وزوجته وعمتها بإطلاق وابل من الرصاص أودت بحياة الأربعة، ويقول على الصغير، 75 عاماً، أحد رواة قصص الثأر الدموية، إن الثأر اختلف كلياً اليوم، وفى الماضى كان يسود قانون العرف بين الأهالى وفق تعاليم الدين، لكن اليوم رغم انتشار القانون ووجود حكومة ودولة منظمة، لم يتم ردع الثأر.
ويقول الدكتور أيمن فتحى، حاصل على ماجستير فى «التعصب القبلى وتأثيره على المجتمع»، إن العوامل الخارجية وما تفعله الجماعات المسلحة أثر على عقلية وفكر المواطن الصعيدى، خاصة المتخاصمين، وفى ظل غياب التوعية الدينية من قبل رجال الدين، كل ذلك أحدث تشتتاً فى العادات والتقاليد والأعراف العامة التى يشتهر بها أهالى جنوب الصعيد.