«العاشر من رمضان».. صناعة تحت تهديد المجارى والتلوث وانقطاع الكهرباء
طرق غير ممهدة ومليئة بالحفر والمطبات
«طرق مليئة بالحفر والمطبات العشوائية، وصرف صحى يتدفق فى الشوارع بين الحين والآخر، وأدخنة وأتربة تخيم على سماء المنطقة»، أهلاً بك فى «المنطقة الصناعية بالعاشر من رمضان» التى زارتها «الوطن» للتعرف على أجواء الاستثمار وأحوال الصناعة هناك، فرصدت فى المقابل سوء حالة الطرق بها، وانفجار مواسير الصرف الصحى أمام بعض شركات التغذية، ووثقت بعدستها صور التلوث المنبعثة من مداخن مصانع الحديد، دون الاهتمام بالاشتراطات البيئية أو الصحية، واستمعت لشكاوى بعض مسئولى المصانع من «شركة توزيع كهرباء القناة».
فى الطريق إلى هناك، لا شىء يفوق أعداد اللافتات، يميناً ويساراً، التى تُرشد عن قرب المنطقة الصناعية بالعاشر من رمضان، على طريق الإسماعيلية الصحراوى، بعدها يبدأ ظهور امتداد المصانع على واجهة الطريق بشكل مباشر، مصحوبة بلافتات أخرى، تشير إلى تكوين كل منطقة صناعية على حدة، وتوضح أسماء بعض المصانع الموجودة فيها وكيفية الوصول إليها.
مدير مصنع أصباغ: سياراتنا تحمل مواد كيميائية خطرة تعرضت للانقلاب أكثر من مرة بسبب سوء حالة الطرق
الطرق:
فيما يتعلق بالطرق، نجد حفراً عديدة متتالية، ومطبات ترابية وأسمنتية، يصطدم بها كافة الداخلين إلى الشوارع الجانبية المتفرعة من الطريق العمومى، دون وجود لوحات إرشادية تحذيرية، تفيد بوجود تلك الحفر التى من الممكن أن تتسبب فى انقلاب سيارة أو غوصها فى الرمال عن آخرها.
يقول أحمد مصطفى، مدير علاقات عامة بأحد مصانع إنتاج الأصباغ والمواد الكيماوية فى المنطقة الصناعية الأولى، إن سوء حالة الطرق وامتلاءها عن آخرها بالحفر والمطبات الترابية، بجانب ضيق بعضها، وعدم صلاحيتها لسير عربات النقل الثقيل، خاصة عند دورانها، يعد إحدى أهم المشكلات الكبرى فى المنطقة الصناعية بشكل عام، كما أنها تعتبر دليلاً قوياً على سوء التخطيط منذ البداية، وأضاف: «بعد تعرض سياراتنا التى تحمل مواد كيميائية خطرة للانقلاب أكثر من مرة، تقدمنا بشكوانا إلى المسئولين فى مجلس المدينة، نحذرهم من وقوع كارثة، ونطلب منهم سرعة الاستجابة لطلبنا برصف الطرق وإعادة إصلاحها، وبالفعل جاء رد فعلهم سريعاً جداً، حيث تم تشكيل لجنة فنية فى اليوم التالى مباشرة لشكوانا، ولكنها قررت إصلاح مسافة 200 متر فقط المارة من أمام الباب الرئيسى للمصنع، وقاموا بإزالة الرصف القديم، وبدأوا فى دكه وصيانته، الأمر الذى دعانا للاعتراض على ما يقومون به، لأن ذلك لن يساهم فى حل الأزمة، وكعادتهم، يأتى جوابهم «إحنا عبد المأمور، وبنعمل اللى اتقال لنا»، ويتابع مدير العلاقات العامة: المناطق الصناعية الثلاث لا يوجد فيها طريق واحد داخلى أو جانبى مرصوف بشكل أو بآخر، والأهم من ذلك أن غالبيتها ضيقة، لا تستوعب مرور سيارتى نقل ثقيل بجوار بعضهما البعض، الأمر الذى يدعو للتساؤل عن سبب عدم قيام الأجهزة المعنية برصف تلك الطرق وتجهيزها على أحدث نمط، لحماية سيارات المصانع التى أصبحت تخضع للصيانة كل شهرين على الأكثر، بخلاف التى يتم تكهينها، ويقول: «المستثمر الأجنبى أو العربى اللى هييجى يشوف منظر الطرق ده، اللى عاملة ذى المراجيح، هيتقفل من المنطقة كلها وهيمشى وهيقول بناقصها»، مع الأخذ فى الاعتبار أن غالبية الشركات والمصانع عرضت على مجلس المدينة، فى حضور ممثلين عن جمعية الاستثمار، المساهمة مادياً فى رصف الطرق إذا تطلب الأمر ذلك، ولكن دون نتيجة حتى الآن».
التلوث البيئى:
لا شىء يعلو فوق رائحة البودرة المنتشرة فى أرجاء المنطقة، من أقصاها إلى أقصاها، بالإضافة إلى الأدخنة المتصاعدة إلى عنان السماء بألوانها السوداء والبيضاء، راكبو السيارات يجدون بغيتهم فى قفل الزجاج وكتم أنفاسهم طيلة مرورهم، أما المترجلون وقائدو الدراجات النارية، فليس أمامهم بد من الحصول على قسط وافر من «كتمة النفس» طالما مروا ذهاباً وإياباً بالمنطقة الصناعية أو أحد الشوارع القريبة منها.
أسامة المعتصم، مدير تسويق بإحدى شركات تصنيع المواد الغذائية فى المنطقة الصناعية الثانية، يجاور مصنعه أحد أكبر مصانع إنتاج الحديد وإعادة تدوير الخردة، لم يدخر هو ورؤساؤه جهداً فى تقديم الشكاوى العديدة والمتكررة إلى الجهات الرقابية وجمعية المستثمرين، من أجل إلزام الشركة المجاورة بوضع فلاتر بيئية تساهم فى تنقية الأدخنة المتصاعدة منها ليل نهار، ولكن دون نتيجة، فكلما جاءت لجنة متابعة أو تفتيش، وجدت المداخن مغلقة، والمصنع يبدو على أفضل حال، وما هى إلا ثوان قليلة بعد مغادرتهم، حتى تُعاد الكرة مرة أخرى، وتبدأ الأدخنة فى التصاعد من فوهات مداخن المصنع، يقول المعتصم: «سوء تخطيط المنطقة الصناعية الثانية، ومن بعدها عدم إلزام المصانع باشتراطات الحماية البيئية، يجعل العاملين فى مجال تصنيع المواد الغذائية فى ضيق دائم ومستمر، فهم يرغبون فى إنتاج مواد مطابقة للمواصفات حتى لا يتعرضوا لأى مساءلات قانونية، وأحياناً لا يستطيعون ذلك، بسبب هبوط الأدخنة والأتربة من مصانع الحديد والسيراميك على مخازن تلك الشركات وإحداث تلوث للأطعمة والمواد المصنعة، وهو الأمر الذى يشكل كارثة غذائية كبيرة، تستلزم ضرورة إلزام المختصين لأصحاب مصانع الحديد والبودرة والسيراميك بالاشتراطات الصحية، ووضع الفلاتر على المداخن، وتحديد أوقات عمل للمداخن يتم الإعلان عنها دون اختراقها.
مدير شركة: أدخنة مصانع الحديد والخردة تعوق مصانع المواد الغذائية عن إنتاج أغذية مطابقة للمواصفات
الصرف الصحى:
لمياه الصرف الصحى وجود ملحوظ بين الحين والآخر فى الشوارع الرئيسية والجانبية فى المناطق الصناعية الثلاث، حيث تتوسط الشوارع، فيضطر المارة للعبور من الناحية المقابلة لها.
يقول محمود عبدالغنى، رئيس قسم السلامة والصحة المهنية والبيئية فى أحد مصانع إنتاج المكرونة فى المنطقة الصناعية الثالثة، إن الصرف الصحى يعتبر من أهم عوائق التشغيل والاستثمار فى المنطقة الصناعية بالعاشر من رمضان، وهذه المشكلة -طبقاً لقوله- ليست وليدة اللحظة، ولكنها تمتد إلى بدايات تأسيس المنطقة، حيث تختلف المناسيب من مكان لآخر داخل المنطقة، وهو ما يجعلنا عاجزين عن معرفة المصدر الرئيسى فى حالة حدوث أى انسداد، ومع تكرار تلك الكارثة مرة شهرياً، طلبنا من المهندسين المسئولين عن الصرف ضرورة وضع حل نهائى وإشراكنا فى تنفيذه إن أرادوا، فأخبرونا بأن الحل الوحيد المتاح حالياً هو أن تتم إعادة تخطيط شبكة الصرف الصحى بشكل كامل، لأن المعمول بها يشوبها سوء التخطيط والتنفيذ على حد سواء، وهو ما يجعل من تكرار صيانتها أمراً فارغاً لا يسهم فى حل الأزمة، ولكن تسكينها بشكل مؤقت، ويشير «عبدالغنى» إلى أن مصنعه يعد أكثر المتضررين من أعطال شبكة الصرف الصحى المتكررة، نظراً لكونه مصنعاً للمواد الغذائية، وهو ما يدفعهم فى كل مرة تتعرض الشبكة فيها للانسداد، للإسراع من أجل حلها، حتى لا يتسرب منسوب المياه إلى داخل المصنع، أو على الأقل، حتى لا تمر سيارات الشركة وسط تلك المياه غير النظيفة، وتدخل بعد ذلك إلى المصنع، وهو ما يعد مخالفة صحية جسيمة، لا ترضى عنها إدارة الشركة قبل الجهات المشرفة والمراقبة، ويضيف: «الخطير فى الأمر أننا فى كل مرة نكتشف وجود مواد زيتية وحمضية وكيميائية داخل بيارات الصرف، نظراً لقرب مصانع الأنسجة والأصباغ من مصنعنا، على الرغم من أن الشروط البيئية تقتضى عدم صرف تلك المصانع فى المصرف العام وتحويلها على مصارف خاصة حتى لا يتسببوا فى حدوث كوارث صحية فى ظل عدم وجود احتياطات أمنية ولا بيئية.
الكهرباء:
أعمدة كهرباء تتوزع داخل شوارع المدن الصناعية بشكل غير منتظم، تتخللها بعض الكابلات المكشوفة لجميع المارة، وبعض أسلاك الكهرباء الممتدة بطول الطرق تحت أرجل المارة وعجلات السيارات.
المشكلة من وجهة نظر إبراهيم سامى، نائب مدير إحدى شركات تصنيع السوست والكابلات الألومنيوم، تتمثل فى أكثر من ذلك، حيث يعانى أصحاب المصانع والشركات منذ عدة سنوات من تعنت شركة القناة لتوزيع الكهرباء معهم، وتهديدهم المستمر بقطع التيار الكهربائى عنهم، حتى لو كانت المديونيات قليلة للغاية، دون النظر لمخاطر هذا التهديد الذى قد يتسبب فى كارثة تعطل المصنع عن العمل بشكل كامل وتلف بضائعه التى لا تزال داخل الأفران الحرارية، بالإضافة إلى ارتفاع شرائح الكهرباء التى نستهلكها أربع مرات خلال العام الأخير فقط، دون الأخذ فى الاعتبار سوء حالة السوق وانخفاض مبيعاتنا إلى أكثر من النصف، وأضاف سامى أن المهندس محمد السيد، رئيس مجلس الإدارة والعضو المنتدب لشركة القناة لتوزيع الكهرباء، اجتمع الأسبوع الماضى ببعض أصحاب المصانع ورؤساء مجالس إدارة بعض الشركات، ووعدهم بحل كافة مشاكلهم مع شركة الكهرباء فى سبيل المساهمة فى تطوير العمل ودفع عجلة الإنتاج، مع تأكيده على تقسيط مبالغ المديونيات الكبرى بما يتوافق عليه المصنع وشركة الكهرباء على حد سواء، وأخيراً، وضع خطة لإنارة الأعمدة فى كافة أرجاء شوارع وطرقات المناطق الصناعية الثلاث، قائلاً «إحنا هنا فى جبل، يعنى بمجرد ما المغرب بيأذن لو المصانع مشغلتش النور الخارجى بتاعها محدش بيشوف يمشى تحت رجليه».
رئيس قسم بمصنع مكرونة: اختلاف مناسيب بيارات الصرف يتسبب فى انسدادها مرة على الأقل شهرياً ويهدد مصانعنا
سوء حالة السوق المحلية:
يقول مدير التسويق فى أحد مصانع الأجهزة الكهربائية، طلب عدم ذكر اسمه: إن «قرار تعويم الجنيه وارتفاع سعر الدولار إلى ما يقرب من 20 جنيهاً، تسبب فى تضاعف أسعار الأجهزة الكهربائية بشكل كبير، وصل فى أحيان كثيرة إلى خمسة أضعاف، بما يفوق قدرة المستهلك المصرى، الذى بات يبحث عن سلع بأسعار رخيصة، حتى ولو اضطره ذلك إلى شراء منتج ردىء أو آخر ذى إمكانات قليلة، وظهر ذلك واضحاً فى حجم مبيعات السوق المحلية التى انخفضت إلى أكثر من 55%، وكادت تحدث كارثة لغالبية مصانع إنتاج الأجهزة الكهربائية لولا اتجاهها إلى السوق الخارجية والاعتماد على التصدير بشكل رئيسى، ويضيف مدير التسويق: «ارتفاع أسعار المنتجات فى السوق المحلية، قابله ثبات أسعارها وأحياناً انخفاضها فى السوق الخارجية، الأمر الذى جعلنا نوجه غالبية إنتاجنا من الصناعات الفاخرة إليها، أملاً فى تعديل الخسائر، وقد كان بالفعل، حيث ساهم التصدير وفتح أسواق خارجية فى تعويض خسائرنا ووقوفنا على أقدامنا مرة أخرى، فى مواجهة شبح غلاء الأسعار والخامات على حد سواء».
أحد العمال داخل أحد المصانع
.. وسيارات نقل تحمل مواد كيميائية خطيرة