«العامرية»: مجارى «طافحة».. والمرضى عبيد «إحسان الأطباء»
زحام أثناء الانتظار فى العيادات الخارجية بالمستشفى
أصوات صاخبة دوت فى الأرجاء، خرجت من حناجر هؤلاء الباعة المرابطين أمام بوابة العيادات الخارجية لمستشفى العامرية العام، ومن تحت «فرشاتهم» المختلفة تسربت مياه المجارى الطافحة، باعثة برائحتها الكريهة، لتلتف حول أسوار المستشفى، فتزيد المرضى معاناة فوق معاناتهم، بعد أن أجبرتهم على وضع الأحجار المتراصة بجوار بعضها البعض أمام مدخل المستشفى، حتى يتمكنوا من دخوله.
«المريض مش مستحمل الكلام ده، ومش هيبقى مرض فوق المرض».. جملة قالها الشاب العشرينى «موسى صالح»، أثناء جلوسه فى انتظار دوره فى الكشف، ليعبر بها عن غضبه من هذا المنظر المتكرر أمام بوابة المستشفى، موضحاً أنها لم تكن بالشىء الجديد: «الكلام ده بقاله نحو 3 سنين، مش بس قدام المستشفى، ده فى العامرية كلها»، مسئولية مضاعفة يرى «موسى» وقوعها على الجهات المعنية، نظراً لحدوث هذا الأمر أمام بوابات مستشفى: «لو بنستحمله قدام بيوتنا المرضى هنا مش هيستحملوه، ومش طبيعى إن المريض يشم الريحة ديه طول ما هو هنا، ده غير إن لو واحد جاى تعبان ومحتاج حد يشيله بيكون أزمة عقبال ما يدخل من الباب».
مدير المستشفى: «المريض عايز ياخد علاج بزيادة.. وبيقطع كذا تذكرة ويدخل على كام دكتور علشان يلم علاج ويمشى».. والتمويل لا يكفى احتياجاتنا
خطوات قليلة تفصل صيدلية المستشفى عن بوابة «المجارى الطافحة»، ومن أمامها كانت طوابير غاب عنها النظام فتداخلت فى بعضها البعض، وفى الأركان وقف أناس يلتقطون أنفاسهم قبل خوض غمار هذه المعركة، ومن بينهم «ياسر العمدة»، رجل فى الخمسين من عمره، جاء يجرى الكشف على عينيه، إلا أن رحلة الكشف، التى بدأت فى السابعة صباحاً، أرهقته رغم أنها لم تكن الأولى: «المنظر اللى انت شايفه ده رحمة عن اللى بنشوفه كل يوم، ده غير الناس اللى فوق فى العيادات، وده لأن أغلب الدكاترة مش موجودين، واللى موجود منهم بيبدأ كشف متأخر».
نقص فى الأدوية وقلة الخدمات المقدمة للمرضى، كانا أهم ما تحدث عنهما «ياسر»، علم بهما من كثرة تردده على المستشفى، ليعبر عن ذلك بنبرة تعجب قائلاً: «شريط واحد بتاخده لكل حاجة، ولو قطعت تذكرة عشان عايز تكشف بتشوف مهزلة من أول ما تدخل لحد ما تخرج».
وفى الداخل حيث العيادات الخارجية، جلس على الأرض هذا العجوز، وعلى وجهه آثار دم لم يجف بعد، وبجواره جلس ابنه «ماهر جعفر»، يهون عليه ما فيه: «كان مركب مسمار فى رجليه ووقع فالعملية ردت تانى»، كلمات قالها الابن ليوضح ما حل بأبيه، قبل أن يأتيا إلى المستشفى قبل نحو 3 ساعات، فيجلسا الجلسة نفسها طوال هذه المدة: «من ساعة ما جينا وأنا مش لاقى كرسى أقعد والدى عليه، وعملوا له التحاليل بتاعته وهو قاعد مكانه كده»، نتيجة التحاليل ينتظرها الابن والأب حتى يعلما مدى إمكانية توفير سرير له من عدمه، ليتمتم ماهر بكلمات تعجب قائلاً: «حتى لما جيت بيه المستشفى ملقيتش ترولى أدخله عليه، وشيلته على كتفى من بره لحد هنا».
«ياسر»: «أغلب الدكاترة مش موجودين».. و«ماهر»: «والدى أجرى التحاليل وهو قاعد على الأرض علشان مش لاقيين كرسى فى المستشفى»
وفى أحد عنابر قسم الباطنى بالمستشفى كان هناك مشهد مختلف، فرغم هذه اللافتة على الباب، إلا أن الغرفة لم تكن مقتصرة على مرضى الباطنى وحده، فكان بينهم مرضى عظام وجلطات، ارتسمت على وجوههم علامات التعجب لوجودهم فى هذه الغرفة، إلا أن هذا لم يكن أكبر همهم، حسب ما قال «محمد على»، وإنما كان سوء المعاملة من أفراد الأمن معاناة أخرى يعيشها منذ أسبوع مضى، تمثلت أغلبها فى الدخول والخروج بوالده: «غير كده بقى جهاز الأشعة المقطعية بيقولوا لنا إنه مش شغال، وبنروح نعملها بره».
أطراف الحديث يقطعها «عوض عبدالغفار»، مرافق آخر لأحد المرضى فى انتظار إجراء عملية جراحية فى قدمه، ليكمل ما بدأه «محمد» قائلاً: «مفيش هنا أدوية خالص وكل حاجة بنجيبها على حسابنا، وكل ما نحتاج نعمل أشعة يقولك الجهاز بايظ»، لم تكن أزمة «عوض» فى تعطل جهاز الأشعة، وإنما كانت فى طريقة نقل شقيقه من وإلى المستشفى: «لما قلنا عايزين ترولى نشيل عليه أخويا قالوا لنا ممنوع يخرج من المستشفى، ورحنا أجرنا ترولى من مستشفى خاصة على حسابنا»، ليختم حديثه قائلاً: «حتى المروحة مش موجودة فى العنبر وعشان الجو حر كان لازم نجيبها إحنا».
ومن جانبه قال الدكتور أحمد فؤاد، وكيل مستشفى العامرية العام، إن المستشفى يقدم خدماته لما يقرب من 2 مليون مواطن، من أصل 8 ملايين فى محافظة الإسكندرية، وهو ما يشكل ضغطاً شديداً على كافة أقسام المستشفى، ففى قسم النساء والتوليد اقترب معدل العمليات، الطبيعية والقيصرية، من نسب المستشفيات التخصصية، حسب «فؤاد»، فكان إجمالى حالات الولادة فى شهر يوليو 682 حالة، كما أن هناك 8 أسرة عناية مركزة فقط فى المستشفى، فضلاً عن وحدات الغسيل الكلوى، فقد أوضح «فؤاد» أن هناك 1200 وحدة غسيل كلوى على مستوى وزارة الصحة فى محافظة الإسكندرية، كان نصيبهم منها 36 وحدة فقط، وهذه أرقام قليلة مقارنة بعدد السكان المقدم لهم الخدمة، حسب «فؤاد».
وأضاف «فؤاد» أن التمويل الطبى لا يكفى احتياجات المستشفى من المستلزمات، وهو ما يضطرهم للجوء إلى صندوق المستشفى، الذى يتردد على عياداته الخارجية فقط يومياً ألفا مريض، وكان إجمالى عدد المترددين على المستشفى خلال عام 2016 قد وصل إلى ما يقرب من 650 ألف مريض، وبالتالى فإن المسئوليات على مستشفيات الصحة، حسب «فؤاد»، أكبر من قدرتها ولا غنى عن مشاركة المجتمع المدنى من خلال التبرعات لسد العجز، قائلاً: «هو ده الواقع وإحنا بنصد على قد ما نقدر وعلى قدر طاقتنا».
كما اشتكى وكيل المستشفى من سلوكيات المرضى المترددين عليه، معبراً بقوله: «المريض بيبقى عايز ياخد علاج بزيادة، وفيه منهم ممكن يكون عنده برد وييجى يقطع كذا تذكرة ويدخل على أكتر من دكتور ويلم شوية علاج ويمشى».