لم تكن المعونة الأمريكية المقررة لمصر منذ السبعينات مرتبطة بأى شكل من الأشكال بحقوق الإنسان، وإنما كانت متعلقة بالملفات الاستراتيجية بين مصر والولايات المتحدة الأمريكية، ومنها بالطبع السلام مع إسرائيل، وضمان استمرار التزام أطراف الاتفاقية بالسلام، لذلك كانت المعونة مقررة لكل من مصر وإسرائيل، وكذلك التعاون العسكرى بين البلدين، وتزويد القوات المسلحة المصرية بأسلحة ومعدات، وإجراء تدريبات مشتركة، وأشهرها كانت مناورات مشتركة باسم «النجم الساطع» التى توقفت لفترة وتمت استعادتها مرة أخرى لتجرى هذا العام بمشاركة عدد من الدول فى المنطقة. أيضاً كان هناك حوار استراتيجى لتنسيق السياسات بشأن الإقليم ودعم استمرار عملية السلام للوصول إلى حل للقضية الفلسطينية على أساس حل الدولتين، لذا لم تكن قضية حقوق الإنسان متعلقة بقضية المعونات الخارجية الأمريكية، لكن أيضاً تظل الحقيقة أن هناك التزاماً لدى الحكومة الأمريكية بموجب مبدأ «كارتر» بأن تلتزم السياسة الخارجية الأمريكية باحترام قضايا حقوق الإنسان والديمقراطية، لذلك نجد برامج للمساعدة فى التحول الديمقراطى واحترام حقوق الإنسان والحريات الدينية.
لذلك كانت الصدمة من قرار الإدارة الأمريكية بقطع مبلغ 95 مليون دولار من المعونة وتعليق مبلغ 190 مليون دولار أخرى من المعونات الموجهة لمصر هذا العام وربط صرف هذا المبلغ بإحداث تطور إيجابى فى ملف حقوق الإنسان، وبشكل خاص قانون الجمعيات الجديد ووضع المدافعين عن حقوق الإنسان، لا سيما الذين يخضعون للتحقيق فى القضية 173، ثم موضوع علاقة مصر بكوريا الشمالية ووجود علاقات تعاون فى المشتريات العسكرية. وفى الحقيقة يبدو أن هذا الموضوع هو الأساس الذى بُنى عليه الموقف الأمريكى، لا سيما أن الإدارة الأمريكية أعلنت سياسة جديدة ضد كوريا الشمالية مطالبة بخلق حالة من العزلة عليها، والمطلوب هو قطع مصر علاقاتها مع كوريا الشمالية.
الموقف الوطنى الحقيقى من منظمات حقوق الإنسان هو رفض هذا الربط بين المساعدات والمنح الموجهة لبرامج اقتصادية يستفيد منها المواطن المصرى فى النهاية، والمنح الموجهة للتعاون العسكرى وبرامج تسليح الجيش الوطنى لسببين: الأول أن الولايات المتحدة الأمريكية تعطى إسرائيل ضعف المعونات التى تقدم لمصر، ومع ذلك فإن ملف انتهاكات حقوق الإنسان الإسرائيلى متخم، سواء فى رفض تنفيذ قرارات الشرعية الدولية بمنح الشعب الفلسطينى حقه فى تقرير مصيره، فضلاً عن تقرير جولدستون الخاص بجرائم الحرب التى ارتُكبت أثناء الحرب على غزة الذى حُفظ فى أدراج مجلس الأمن بضغوط من الإدارة الأمريكية.
لكن أيضاً الموقف الوطنى يتطلب العمل على تطوير أوضاع حقوق الإنسان فى مصر، لا سيما أنها تؤثر على علاقات مصر الدولية، ليس فقط العلاقات المصرية الأمريكية، وإنما أيضاً العلاقات مع دول الاتحاد الأوروبى، وهى الشريك التجارى الأكبر مع مصر، فقانون الجمعيات الأهلية فى مصر يحتاج إلى إعادة نظر، فهو قانون يخالف ليس فقط المعايير الدولية لحقوق الإنسان وإنما يخالف بشكل صريح الدستور المصرى والمادة «75» بالتحديد التى تنص على الحق فى إنشاء الجمعيات الأهلية بالإخطار وعدم جواز التدخل فى شئونها أو حلها أو حل مجلس الإدارة إلا بموجب حكم قضائى، لا سيما أن وزارة التضامن لديها قانون يحقق هذه المعايير الدولية والدستورية، فاستبدال القانون الحالى بمقترح وزارة التضامن يحقق تقدماً مهماً فى ملف قانون الجمعيات، أيضاً مع تشكيل مجلس حقوق الإنسان المصرى الجديد فى شهر أكتوبر المقبل أقترح أن يكلَّف المجلس الجديد من الرئيس بإعداد خطة لتحسين سجل مصر فى حقوق الإنسان خلال سنة يراجع فيها كل الانتهاكات التى وردت فى تقارير المنظمات الدولية ومجلس حقوق الإنسان ويقدم مقترحات محددة للحكومة لتنفيذها فوراً، أيضاً العمل على إنهاء القضية 173 فور إصدار قانون الجمعيات الجديد وقيام كل المنظمات حتى تلك التى أنشئت بموجب قانون الشركات بتسجيل نفسها لدى وزارة التضامن.