سنة 1985 قدم التليفزيون المصري في شهر رمضان رائعة من روائع فهمي عبد الحميد، مسلسل ألف ليلة وليلة (عروس البحور) بطولة الجميلة شريهان ومحمود الجندي وعمر الحريري، لم أكن وقتها قد جئت للحياة كي أشاهده حصريا، ولكني تابعت كل أعمال شريهان بعد ذلك بسنوات في عروض الإعادة.
لطالما بهرني فنها الرائع وإطلالتها الحيوية الباعثة للبهجة والانطلاق، وهذا العمل بالتحديد حيث إن القصة تتحدث عن عروس بحر أحبت رجل أرضي وتخلت عن صوتها من أجل أن تظل بجواره، وعند وصولها إليه لم يتعرف عليها وذهب ليتزوج من غيرها، وتوالت الأحداث واستبدلوا الأدوار فتخلى هو عن حياته الأرضية وتحول لنصف رجل ونصف كائن مائي لكي يتزوجها "حكاية رومانسية كباقي حكايات ألف ليلة وليلة، ينتهي الفضول وترقب أحداثها بنزول كلمة النهاية بالحلقة الثلاثين لية العيد من كل عام" ولكن ما ظل عالقا بذهني لأعوام وأعوام هو دور الراحلة القديرة زوزو نبيل، حيث جسدت (العجوز أم منقار) التي سحرت عروس البحور (شريهان) وحولتها لفتاة أرضية، ثم سحرت نور (محمود الجندي) وحولته لرجل مائي.
استوقفتني ملامحها ومنخارها الطويل وشرها المدفون خلف صوتها المتهدج وانحناءة ظهرها، ظللت أتذكرها كلما رأيت أمراة مسنة تتطفل على الآخرين وتشيع أسرارهم وتتحدث عنهم بما يكرهون، ثم كبرت أكثر وكثرت بمحيطي تلك المناقير، حيث أدركت أن هذه الصفات لا ترتبط بسن معين فذوات المناقير موجودات في كل مكان وبمختلف الأعمار، فعلى سبيل المثال، الفتاة التي تتعمد إخفاء أبسط تفاصيل حياتها لأقرب صديقاتها، وعلى الصعيد الآخر تقحم نفسها بحياتهم لتعرف كل كبيرة وصغيرة، وتلك المرأة المتلصصة على مشاجرات الجيران ،وتلك الأخت التي تحقد على زوجة أخيها وتشعر بحقها في التدخل بحياة سندها في الحياة ودعمها الوحيد، رغم أنها عاشت نصف عمرها تعاني من رائحة جواربه، والنصف الآخر تحضر له القهوة والشاي.
وتلك الزوجة المتربصة بسلوك أي رجل، وعندما تجد صفة حسنة غير موجودة بزوجها تنهال عليه بوابل من اللوم والانتقاد، وأخيرا تلك الأم التي تفرض خبرتها وسيرتها الذاتية على حياة أبنائها، حتى أنها تنسى أن لهم الحق في إدارة شؤونهم منفردين، وتربية أبنائهم كما يريدون، وتصب جام غضبها على زوجة ابنها بالخصوص، محاولة أحيانا إثبات فشلها لأنها لم تحفظ ملحمة حياتها وتمشي على نفس الخطى، تلك هي بالفعل العجوز أم منقار.
عزيزتي الفتاة، عزيزتي السيدة، أساطير الماضي مليئة بالعديد من من النماذج الرائعة مثل (سندريلا) التي تحملت القسوة والاضطهاد دون تزمر أو اعتراض وتدبير مكائد، محتفظة بجمال روحها دون تلوث وجمال مظهرها رغم انغماسها في الأعمال المنزلية، كذلك (بياض الثلج snow white ) فرت هاربة من امرأه أشعلت الغيرة قلبها وكادت أن تقتلها، حتى انتشلها الأقزام فوضعت على حياتهم بصمتها الرقيقة، وحولت منزلهم المتواضع لجنة صغيرة، واختارت الحياة الهادئة البسيطة، المرأة هي البهجة والهدوء والسكينة والعطاء، إن ذهبت عنها تلك الصفات طاردتها لعنة العجوز أم منقار.