«رأس التين ومينا البصل».. القمامة تغلق المداخل وأكشاك الباعة تحتل الأرصفة
القمامة تغلق مدخل إحدى المدارس
شارع رئيسى تطل عليه من الخلف مدرسة «رأس التين الإعدادية» بحائط مرتفع اسْودّ عن آخره وكأن حريقاً التهم المبنى، وفى الأسفل منه تكونت «مقالب القمامة» التى كانت سبباً فى هذا السواد، بعد أن اتخذ منها «بائعو الخردة» مأوى لهم، يأتون إليه ليلاً ليحرقوا فيه ما جمعوه من الأسلاك النحاسية نهاراً.
منصور أبوغزالة، خمسينى يعيش مع أولياء أمور الطلاب فى مدرسة «رأس التين» معاناتهم، نظراً لقرب سكنه ومحل عمله من سور المدرسة، يحكى ما يشاهده يومياً من أهالى منطقته والمناطق المجاورة لها، حيث يلقون بقمامتهم إلى جانب السور الخلفى للمدرسة، وهو الأمر الذى لا يجدى معه ما تقوم به رئاسة الحى من رفع القمامة يومياً، إلا أن مقلب القمامة ذاته لم يكن المشكلة الأكبر بالنسبة له: «اللى أكتر من كده إن بتوع الخردة بييجوا هنا يحرقوا سلك النحاس اللى بيجمعوه كل يوم، وهو ده السبب اللى مخلى المبنى كله أسود زى ما انت شايف».
إشعال النيران فى أكوام قمامة بجوار سور مدرسة إعدادية يحرق المبنى.. والفئران والثعابين تسكن فناء «العروة الوثقى».. ومديرها: «جبت واحد يقص الشجر البياعين كانوا هيضربوه»
أذى لم يقتصر على مبنى المدرسة المشوه ولا على طلابه من الداخل فحسب، وإنما امتد الأمر إلى سكان المنطقة، حسب ما قال «منصور»، فهو يعانى من مرض فى القلب، كما تعانى طفلته من ضيق التنفس، وبالتالى فإن ما يصدر من حرائق مشتعلة طيلة الليل فى القمامة بجوار المدرسة يزيد من آلامهم: «عشان أروح أتكلم معاهم وأقول لهم متعملوش كده هيحصل مشكلة وأنا مش حمل كلام من ده، غير كمان إن فيه واحد بلطجى من كام يوم عمل كشك جنب سور المدرسة وده بالليل بيبقى منط ممكن أى حد يستغله فى إنه يسرق المدرسة»، حسرة ظهرت فى نبرة الرجل الخمسينى على الحال الذى وصلت إليه المدرسة «التاريخية»، التى تخرج فيها، حسب ما قال، كثيرون من ذوى المناصب الكبيرة: «اللى بيشوف شكلها دلوقتى ده بيحزن عليها».
وبجوار فرشته لتصنيع الطبول، جلس «محمود السيد»، 62 سنة، منهمكاً فى عمله، لينتهى منه بعد دقائق شارعاً فى الحديث عن الحال الذى وصل إليه مبنى مدرسة رأس التين الإعدادية المجاور لمحل عمله وسكنه، بعد أن اختفت منه أكشاك الحى التى كانت تتابع عملية الحفاظ على الشارع من إلقاء القمامة فيه، حسب ما قال: «من بعد الثورة الأكشاك دى اتشالت، ومبقاش فيه حد منهم موجود، وده خلى الموضوع يزيد عن حده لدرجة إن الناس بقت ترمى حمير وحيوانات ميتة».
يسكن «محمود» هو الآخر فى بيت يكاد يكون ملاصقاً للمدرسة، ما يسبب له كثيراً من الأذى ليلاً عندما يشرع بائعو الخردة فى حرق بضاعتهم: «لما بيولعوا فى الزبالة بنضطر نقفل شبابيك الشقة كلها عشان الدخانة متخنقناش، ده غير الريحة الصعبة اللى بتطلع علينا منها»، قلة المراقبة والمتابعة كانت السبب وراء ما حدث فى مبنى المدرسة، وفق ما يرى «محمود»، لا سيما فى فترات الليل بعد أن تغلق المدرسة أبوابها، ما دفعهم إلى اللجوء لأصحاب القرار: «عملنا شكاوى كتير للحى، وكل اللى بيعملوه إنهم يبعتوا عربية تشيل الزبالة وخلاص، وتانى يوم نرجع لنفس المعاناة».
وفى داخل المدرسة لم يختلف الأمر كثيراً، فتلك حوائط متصدعة، وهذه فصول لا يدل حالها على أن عملية تعليمية قد جرت بها منذ أمد طويل لولا بعض كلمات بقيت على «السبورة» دلت على غير ذلك، فضلاً عن «التخت» المتهالكة التى امتلأت بها الفصول عن آخرها، وفى الأسفل، وأمام بوابة المدرسة الحديدية، جلس فرد الأمن على كرسيه الخشبى، معترضاً طريق الداخلين نظراً لعدم وجود أحد بالداخل، ليعلل الحال الذى وصل إليه مبنى المدرسة قائلاً: «أنا قاعد هنا لوحدى فى المدرسة، والناس اللى بتيجى ترمى زبالة أو تولع فى الخردة بتاعتها بيبقوا كتير وأنا مش هلاحق عليهم ولا هعرف أمنعهم من اللى بيعملوه خصوصاً إنهم بره المدرسة، غير كمان إنى بخاف أتكلم معاهم ليعملوا معايا حاجة وأنا قاعد لوحدى بالليل».
وفى منطقة الحضرة، كان مشهد آخر من مشاهد القمامة المتجمعة أمام المدارس، حيث مدرسة «العروة الوثقى الابتدائية»، فأمام بابها الرئيسى كان مقلب كبير من القمامة انتشرت رائحته الكريهة فى المنطقة كلها، وتسللت إلى داخل أسوار المدرسة، لتكون هواءً يستنشقه الطالب والمعلم فى أثناء العملية التعليمية، وبجوار السور من الخارج، كان نوع آخر من المعاناة، حيث تجمعت «الميكروباصات» بجوار بعضها البعض مكونة موقفاً عشوائياً للركوب أغلقت به المدخل المؤدى إلى المدرسة، وفى الناحية الخلفية كانت أكشاك الباعة قد اتخذت من سور المدرسة مقراً لها فى صورة اختفت معها معالم السور والرصيف معاً.
«المروة»: المخلفات تتسبب فى هدم السور والرصيف مرتين.. ومسئول الصيانة: «تواصلنا مع جميع الجهات المختصة دون فائدة»
أشرف إبراهيم، مدير المدرسة، عانى كثيراً من مقالب القمامة المتجمعة أمام الباب الرئيسى، لما تخرجه عليهم من رائحة كريهة طيلة اليوم، لا سيما أن الأزمة تزداد تعقيداً يوماً بعد يوم، حسب ما قال: «بعد ما كانوا شوية زبالة صغيرين، دلوقتى بقى مقلب رسمى وكل الناس بتيجى ترمى فيه». ولم تكن أزمة القمامة وحدها التى يعانى منها «أشرف»، حيث تمثل الأشجار الخارجية للمدرسة نوعاً آخر من المعاناة، نظراً لعدم تقليمها منذ أعوام طويلة: «لما جبت واحد على حسابى عشان يقص الشجر اللى جوا المدرسة حتى، الدنيا اتقلبت علينا من البياعين وسواقين المشاريع اللى بره وكانوا هيضربونا، عشان الشجر كان هيقع على عربياتهم وعلى الأكشاك بتاعتهم اللى عاملينها فى سور المدرسة، وفعلاً مقصيناش حاجة ساعتها».
وفى المعاناة ذاتها يعيش الخمسينى محمود عيد، أمين عهدة المدرسة، فهو الأكثر احتكاكاً بالأزمات لوجوده المستمر داخل المدرسة، فيقول إن هناك العديد من الخطابات التى تم توجيهها لرئاسة الحى من أجل النظر فى أزمتى تقليم الأشجار ومقالب القمامة دون فائدة، رغم مرور 10 أعوام كاملة على الشجر المحيط بالمدرسة وكذلك الشجر الداخلى، دون تقليم: «فيه شجر فى الجنينة بتاعة المدرسة حاوى تعابين وفران وحشرات كتير، وكلمنا ناس ياما ومفيش أى فايدة».
وخلف فرشتها لبيع الجرائد خلف المدرسة، وقفت «عطيات رجب» (64 سنة)، تحكى عن عمر طويل عانت فيه من وجود القمامة أمام المدرسة، فهى لا تؤذى المدرسة وطلابها فقط، وإنما امتد أذاها إليها، حسب ما قالت: «المدرسة بييجوا فيها كام ساعة وخلاص وبعد كده يمشوا، إنما اللى زينا همّا اللى قاعدين طول النهار والليل، وبنعانى من اللى بنشوفه، خاصة إن الناس بقت متعودة تيجى من أماكن بعيدة جداً ترمى زبالتها هنا»، ولم يقتصر الأمر على القمامة فقط بجوار فرشة «عطيات»، وإنما امتد لأكثر من ذلك: «فيه اللى أكبر من كده، وده بيكون فى المبولة اللى جنبها، واللى بتتقلب دعارة وشرب مخدرات بالنهار وبالليل، وبيحصل فيها كل اللى ممكن يخطر على بالك».
وأمام مدرسة المروة الابتدائية بمنطقة كوم الشقافة، التابعة لحى «مينا البصل» كانت القمامة حاضرة أيضاً، فلم تشفع عمليات الصيانة الشاملة التى تمت فى المدرسة منذ أشهر قليلة، لأن تختفى معها هذه الظاهرة التى تعانى منها المدرسة منذ أعوام طويلة، والتى كانت سبباً فى هدم جزء من السور قبل ذلك أثناء حمل القمامة من مكانها، حسب «عادل أحمد»، مسئول الصيانة فى المدرسة، الذى تواصل، وفق قوله، مع جميع الجهات المختصة من أجل حل الأزمة دون فائدة: «فى رمضان اللى فات اللودر وقع سور المدرسة وهو بيشيل الزبالة، وقتها أنا عملت محضر، وعشان شركة النضافة متعاقدة مع مقاولين من الباطن رموا المشكلة على مقاول منهم ومخدناش لا حق ولا باطل، ولما المدرسة دخلت عمرة عملناه»، شهر واحد فقط مر على ترميم المدرسة وبناء الجزء المتهدم من السور، حتى تكررت الأزمة نفسها مرة أخرى: «مكملناش شهر واللودر شال الرصيف الجديد تانى وهو بيشيل الزبالة».
قمامة مختلفة تلك التى تتجمع أمام بوابة مدرسة المروة، فهى مخلفات بائعى السوق المجاورة للمدرسة، يلقيها البائعون ليلاً، حسب «عادل»، وهو الأمر الذى جعله يدخل فى صدام معهم أكثر من مرة، وإلى جانب ذلك لا تأتى سيارة نقل القمامة فى أوقات منتظمة: «عربية الزبالة مبتجيش غير لما أنا أتصل عليها، وآخر الأسبوع اللى فات، قعدت 4 أيام عقبال ما جت، وطبعاً الريحة ساعتها كانت صعبة جداً»، ويختم مسئول الصيانة حديثه بنبرة غاضبة قائلاً: «أنا كنت وصلت لمرحلة إنى صورت منظر الزبالة اللى هنا والكلاب اللى موجودة عليها ونزلتها على النت وقُلت هعمل جايزة للى يقول فيه كام كلب فى الصورة».
من جانبها قالت نادية إسماعيل، مديرة المدرسة، إن مشكلة القمامة أمام المدرسة لا يملكون حيالها أمراً، خاصة أن الحى غير قادر على منع الأهالى من إلقاء قمامتهم بجوار المدرسة رغم توفيره صندوق قمامة كبيراً على بعد شارعين.
أما مدرسة الأمل للصم والبكم، التابعة لإدارة وسط التعليمية، فكان الأمر مختلفاً بالنسبة لها، فلم تكن مقالب القمامة كبيرة بجوار السور الخلفى للمدرسة، وإنما كان مشهد آخر، تمثل فى الأشجار غير المقلمة، وأسلاك الكهرباء التى علتها بصورة عشوائية حتى باتت وكأنها على أسوار المدرسة، بعد أن خرجت من محول كهرباء «غير آمن» ملاصق للباب الخلفى، وغير ذلك من الأمور التى عدّدها حارس أمن بالمدرسة، رفض ذكر اسمه، قائلاً: «إحنا بنعانى هنا من قمة الإهمال، سواء بالنسبة لعمدان النور اللى مش شغالة، أو الشجر اللى مالى السور وبقاله سنين متقصش، ده غير بقى إن السور قصير جداً ومفيش عليه حتى سلك شايك عشان يمنع حد من إنه ينط».
معاناة يعيشها حارس الأمن منذ أن تم نقله إلى المدرسة، خاصة مع كثرة عمليات السرقة من المدرسة، رغم إرسال العديد من الخطابات لحى وسط، إلا أن أحداً لم ينظر فيها، حسب قوله: «أنا شارب عصير حنضل هنا، واللى قاعدين على المكاتب مش حاسين بينا، ومسئول أمن المدرسة مكبر دماغه، بييجى الساعة 12 الظهر ومعتمد على إنه فاضل له شهرين ويطلع معاش، ويوم ما يتسرق حاجة يجيبوا حارس الأمن يحبسوه أو يخصموا منه».
تحيط بسور إحدى المدارس من الخارج
أحد الفصول المتهالكة
مواطن يتحدث لـ «الوطن»
المدرسة تفحمت بالكامل