فجأة أصبحت بورما (ميانمار) على كل لسان، ليس لأنها اخترعت شيئاً تكنولوجياً غير مسبوق، وليس لأنها صعدت إلى القمر، أو ربما أصبحت فيتنام الجديدة التى هزمت أكبر دولة فى العالم، ولكن لأنها حكمت على مسلمى بورما بالموت حرقاً أو غرقاً، ولم يحرك قادتها ساكناً وكأن شيئاً لم يحدث!!
ينعم شعبها البوذى بالأمان وتسترجع رئيستها أيام أن تسلمت جائزة نوبل للسلام، لكن أين السلام الاجتماعى الذى شهدته هذه البلاد وهم يستمتعون بموت المسلمين ودفنهم أحياء!
وببراءة شديدة أتساءل عن جمعيات حقوق الإنسان، أين هى؟ لماذا ابتلعت لسانها؟ وأين هى من هذه التراجيديا التى تحدث على مرأى ومسمع من العالم؟ الغريب أننا لم نسمع صوتاً واحداً، وهذا معناه أن هذه المأساة وتلك الإبادة تحدث بأوامر أمريكية، فاختفت هذه الجمعيات وكأن ما يحدث فى بورما هو أمر طبيعى أو إجراء تقوم به حكومة بورما!
فجأة ظهرت «هيومن رايتس وواتش» بتقرير عن مصر ونسيت تماماً ما يحدث فى بورما، وأخذت تكيل الاتهامات لمصر، وتتمادى فى ترهاتها وأكاذيبها، ولم تلتفت للإبادة الجماعية التى يقوم بها البوذيون بموافقة حكومة بورما.
ولعل هذا أكبر دليل على أن هذه الجمعية والجمعيات الحقوقية الأخرى مُسيسة لا تُصدر تقاريرها إلا بأوامر أمريكية عليا، ثم أين أمريكا التى تدعى أنها حامية حقوق الإنسان؟ تُرى لو كانت هذه الإبادة تجرى فى حق اليهود أو البوذيين هل كان لسان أمريكا سيتم ابتلاعه كما هو الحال الآن؟ لقد تساءل الكثيرون لماذا لم تصدر بيانات شجب وإدانة من البلاد العربية والإسلامية؟ آلاف من مسلمى بورما أطفالاً وشيوخاً ويتم اغتصاب النساء المسلمات.. ولا حس ولا خبر!
لا نُنكر أن الأزهر الشريف أصدر بياناً قبل أيام يخاطب فيه الضمير العالمى، الذى يبدو أنه فى إجازة، لكن أين بقية الجمعيات التى تتحدث باسم الإسلام الحنيف؟ يوجد داخل البلاد الإسلامية مئات مئات الجمعيات ويوجد فى الخارج عشرات منها لكن لم يتكلم أحد، بينما الصحف الأجنبية تكتب عن مأساة مسلمى بورما، لكن صمت القبور هو مسلك هذه الجمعيات التى يبدو أنها أفاقت مؤخراً بعد أن ذهب ضحايا آلاف المسلمين فى بورما أو ميانمار، وكأننا فى حاجة إلى دليل آخر يثبت لنا أن الغرب يقيس بآلاف المقاييس، متى سنعرف أن الغرب يُصدر لنا الأحاديث الساحرة عن حقوق الإنسان، لكنه يستخدم هذه الشعارات استخداماً سياسياً، لأنه يتحكم فى التمويل، وقديماً قام أردوغان حاكم تركيا بطرد عشرات الآلاف من وظائفهم: جنوداً وأكاديميين وقضاة وجامعيين، ولم تتحرك جمعية واحدة من جمعيات حقوق الإنسان.. بينما يتم توحيد هذه الجمعيات نحو مأساة الشاب الإيطالى ريجينى، وعندما تأكد للجميع أن المخابرات البريطانية هى التى تخلصت منه وكانت تريد إحداث توترات بين القاهرة وروما، عاد الصمت ليخيم على الجميع، لقد مللنا من هذه الجمعيات الحقوقية المأجورة، فمسلمو بورما يموتون بغير حق ويُدفنون أحياء ويتعرضون للحرق أو للغرق، والعالم كله قد أصابه الصمم والعمى، فلم يعد يسمع أنات المظلومين ولا يرى الأموات فى كل مكان يملأون الصحراء المحيطة والبحار بالجثث والغرقى!
سؤالى البرىء: أين مشاعر الشعوب المتمدنة والنفوس المتحضرة؟ ولماذا تفعل حكومة ميانمار هذه الأفعال المشينة لأناس كل ما فعلوه أنهم قالوا ربنا الله؟! أين أمريكا المتآمرة على المسلمين؟ ثم أين إسرائيل التى أعترف أنها ليست بريئة من كل ما يحدث لمسلمى بورما فهى متآمرة على المسلمين فى أى مكان؟ ثم أين أوروبا والاتحاد الأوروبى وشعارات حرية، إخاء، مساواة، فقط هذه الشعارات لنا، والأمن والأمان لهم وحدهم، أما خارج بلادهم فلهم الموت، والدليل على ذلك التراجيديا التى تحدث فى بورما التى اندلعت حرائقها بين يوم وليلة وقد أصاب أوروبا الصمم، وقد تخصصت فى سماع الأكاذيب التى يروجونها عن مصر فى تقرير لا معنى له صادر عن زعيمة هذه الجمعيات الحقوقية الكاذبة هيومن رايتس وواتش!!
إن مأساة مسلمى بورما تجاوزت حدود بورما وأصبحت على كل لسان، كما قال شيخ الأزهر الشريف، وأفتى أحدهم بأن التدخل بالسلاح أصبح وارداً، نحن لا نريد سلاحاً أو حروباً، فقط أن تقوم حكومة بورما بمسئولياتها تجاه شعبها ويكف البوذيون عن قتل الأبرياء من المسلمين الذين لم يفعلوا شيئاً سوى أن تمسكوا بدينهم، ولهم إخوة وأشقاء فى العالم يزيدون على مليار مسلم لم يفعلوا أى شىء! والدول الغربية التى تدعى الحداثة والعدل وتدافع عن حقوق الإنسان فى حالة صمت مخجل والآلاف يموتون ظلماً وعدواناً.
مأساة طائفة الروهينجا من مسلمى بورما هى أكبر برهان على صدق ما قاله ناعوم تشومسكى الأمريكى من أن معايير الإرهاب التى وضعتها أمريكا بنفسها لو طُبقت عليها لكانت أمريكا أكبر دولة إرهابية فى العالم.
نعم لقد صمتت أمريكا على قتل مسلمى بورما، ولو كان الأمر تم بغير موافقتها لتحركت جحافلها والعاملون معها فى مشارق الدنيا ومغاربها ولتحركت تبعاً لذلك الجمعيات الحقوقية التى تأتمر بأمرها، ولكن هذا لا يعفينا من السؤال: أين الأبواق العالمية والعربية والإسلامية التى تتكلم باسم حقوق الإنسان؟ نود أن نسمعهم ونعرف موقفهم، لكن أبداً لن يتكلموا لأنهم لم يأخذوا موافقة أسيادهم الأمريكان!
إن تقرير «هيومان رايتس وواتش» الذى صدر بحق مصر خرج فى الوقت الخطأ، فالعالم كله مؤرق بسبب ما يحدث فى بورما، وأمريكا وحدها ولكى تُزعج مصر أعطت أوامرها بصدور هذه الأكاذيب.
ألا فلتعلم أمريكا أنها لن تحرك ساكناً فى مصر، أما جمعية هيومن المشبوهة فقد فقدت مصداقيتها وأصبحت كماً مهملاً، فحديثها أو صمتها لم يعد يؤثر، لأنها جمعية مأجورة تتكلم بعد أن تدفع لها أمريكا الثمن.
ما بقى من مسلمى بورما يتضورون جوعاً ويموت منهم الآلاف بلا ذنب أو جريرة.. يا مسلمو العالم اتحدوا.