الهجرة النبوية من أهم الأحداث التى تمتلئ بالدروس التى تحذرنا من التيارات المتطرفة، ومع ذلك هى أيضاً الحدث الذى خطفته جماعة الإخوان، ونفذوا من خلاله إلى استفادات معكوسة للحفاظ على تنظيمهم، وجمع الشباب حولهم، وقد كانت خطبة وزارة الأوقاف الجمعة الماضى 22/٩/٢٠١٧ عن الهجرة، ووضعت أيدينا على دروس وعبر نحن فى أشد الحاجة إليها، إلا أنها خلت من ذكر الدروس التى تكشف الانحراف الفكرى للإخوان والجماعات المماثلة، حين ننزل دروس الهجرة على واقعنا المعاصر، فجاءت خطبة جامدة، مع أنها كانت فرصة عظيمة لبيان خلل التيارات المنحرفة.. وهذه بعض دروس الهجرة:
الدرس الأول: يستغل الإخوان واقعة التعذيب والتضييق الذى تعرض له الرسول -صلى الله عليه وسلم- وصحبه الكرام قبل الهجرة، وفرارهم من أوطانهم، لبيان أن التضييق يقع لأهل الحق من أهل الباطل، وأن الهروب بمثابة الاحتذاء بالهجرة، وأن من هم خير منهم تعرضوا لأكثر مما يتعرضون له، وأن المحنة لا تكون إلا لأهل الحق، وهذا تدليس وتزوير، والحقيقة أن الرسول الكريم هاجر لأجل التوحيد، وليس لأجل قضايا أيديولوجية وتنظيمات خاصة، وأن المشركين هم الذين وضعوه فى هذه المحنة، لكن الرسول لم يتعرض للمحنة بسبب فشله، وتخبطه، وسوء ترتيبه، وانغلاقه التنظيمى، وتآكل رصيده المجتمعى، وسلطوية سلوكه السياسى، واستعلائه بالإيمان والعدد، ثم يقول أنا فى محنة، فحالة الرسول الكريم هى: (ابتلاء أعقبه نصر وتوفيق)، وهذه سنة الله مع كل صادق أمين، أما حالة الإخوان فهى: (بلاء وتخبط أعقبه هزيمة وانهيار وخذلان)، وهذه سنة الله مع كل فاشل متكبر.
الدرس الثانى: كان من ضمن المهاجرين رجل هاجر وفعل مثلما فعلوا، ولبس زى المتقين المبتلين، لكنه لم يكن كذلك، بل هاجر لرؤيته معشوقته فى المدينة، لا من أجل الإسلام، ومن هنا كان البيان النبوى الشافى فى تلك العبارات التى صدَّر بها العلماء كتبهم، حيث منع رسول الله هذا الرجل من أن يخلط أهدافه الشخصية بدين الله، حين قال: «إنما الأعمال بالنيات، وإنما لكل امرئ ما نوى، فمن كانت هجرته لدنيا يصيبها أو إلى امرأة ينكحها فهجرته إلى ما هاجر إليه»، وفى رواية أخرى «فمن كانت هجرته إلى الله ورسوله فهجرته إلى الله ورسوله»، فكأن الرسول الكريم يقول له: إذا أردتَ أن تهاجر من أجل محبوبتك فلك الحرية، وإذا أردت أن تهاجر لأجل أهداف ومكاسب سياسية أو اقتصادية أو.. إلخ، فلك الحرية، ولكن إياك أن تخلط أهدافك هذه بالإسلام، فيظن الناس أنك تخدم الإسلام وأنت تخدم أهدافك وأهداف جماعتك وأهداف حزبك، وهو ما يفعله الإخوان اليوم.. قتال مرير من أجل استرداد كرسى الرئاسة، ثم يوهمون الشباب أن جهادهم من أجل الإسلام، ولذلك فالرسول الكريم يعلمنا هذا الدرس، قاتل أو لا تقاتل.. هاجر أو لا تهاجر من أجل حزبك وجماعتك كما تحب، لكن لا تستخرج لأفعالك غطاءً شرعياً يفهم الناسُ منه أنك تفعل هذا من أجل الدين، يعنى بصورة أوضح (اخدم الإسلام ولا تستخدمه)، ومن هنا جاء النص الشريف: «فمن كانت هجرته لدنيا يصيبها أو امرأة ينكحها..»، ليمنع هذا الرجل من الوصول لعشيقته عن طريق استغلال الدين، ويمنعنا جميعاً من استغلال الدين للوصول إلى أهدافنا الضيقة الخاصة أو الحزبية.
عطفاً على ما سبق فإننا نجد بعض الأشخاص يقيمون صداقات مع الفتيات، فيبدأ الواحد منهم أولى خطوات تعارفه على الفتاة بالدِّين، وأنه يحب الالتزام، ويستدعى الأحاديث النبوية، ويبدأ بالحديث عن الفضيلة، والحض على الحشمة، حتى يصل لأهدافه الحقيقية، فهو هنا استغل الدين، وهاجر به لامرأة يريد تعلقها به، فكانت هجرته لما هاجر إليه.. وللحديث تكملة إن شاء الله.