أصابتنى حالة من الذهول وأنا أطالع تقريراً حديثاً أصدرته منظمة «هيومان رايتس ووتش» الأمريكية ضد قطر، فالمنظمة التى نجحت بامتياز فى خداع الناس لأكثر من عشرين عاماً، تخلى عنها ذكاؤها هذه المرة، ويبدو أن محاصرتها وكشف حقيقة علاقاتها على الرأى العام العالمى تسبب فى اندفاعها بصورة مضحكة.
المنظمة الأمريكية الدولية هاجمت قطر بشدة فى ملف هو أصلاً مفتوح منذ نحو عامين، ويتعلق بانتهاكات مذهلة لحقوق العاملين الأجانب فى مشروعات كأس العالم 2022 وسقوط الآلاف منهم قتلى نتيجة بيئة العمل المحيطة بهم واستغلالهم بصورة غير آدمية.
ما الذى دفع الـ«ووتش» لإصدار تقريرها الآن؟ خصوصاً أن رئيسها كينيث روث كان مجتمعاً منذ أيام مع حاكم إمارة الإرهاب فى نيويورك على هامش أعمال الجمعية العامة للأمم المتحدة، وسبق أن خرج علينا من خلال «الجزيرة مباشر» فى 24 يوليو الماضى مبرئاً الإمارة من تهم دعم الإرهاب، ومؤكداً أنها فوق مستوى الشبهات وتسهم فى الحرب على الإرهاب بينما السعودية هى التى تدعم الفكر المتطرف.
لماذا اختصت المنظمة الأمريكية المدافعة عن حقوق الإنسان على مستوى العالم قضية العمالة الأجنبية فى قطر وهى قضية كما أوضحت قديمة أُثيرت فى تقارير العديد من المنظمات الدولية والإقليمية ووسائل الإعلام وتجاهلتها الـ«ووتش» ومعاونوها؟ الأغلب فى ظنى هو محاولة منهم لإبعاد الأنظار عن قضيتين أساسيتين تواجههما قطر الآن.
القضية الأولى المتعلقة بإسقاط قطر الجنسية عن شيخ قبيلة آل مرة «طالب بن لاهوم بن شريم»، ومعه العشرات من أفراد أسرته وقبيلته، بالإضافة إلى شيخ قبيلة بنى هاجر ومصادرة أموالهم الأسبوع الماضى، لأنهم -فى اعتبار الأسرة الحاكمة للدوحة- معارضون وعملاء بسبب انتقاداتهم فى الآونة الأخيرة لسياسات الأمير تميم وزمرته الحاكمة.
القضية الثانية تلك المتعلقة بانتقادات بدأت تطل برأسها فى العديد من المنظمات الدولية عن إنكار قطر للحقوق السياسية والمدنية، ورفضها السماح بتأسيس أحزاب ونقابات وجمعيات أهلية وإجراء انتخابات عامة وإطلاق حرية العمل العام والسياسى والحريات الصحفية، وهى القضايا التى بدأت جماعات قطرية معارضة أيضاً إثارتها فى فعاليات عدة.
نحن أمام ما يمكن تسميته تقريراً مفتعلاً أصدرته الـ«ووتش» ذراً للرماد فى العيون ونفياً لصلاتها وعلاقاتها مع الطغمة الحاكمة فى قطر بعد أن شاعت الاتهامات فى هذا الصدد، وكانت السمة الأبرز فى المداولات والمناقشات على هامش الدورة السنوية للمجلس الدولى لحقوق الإنسان فى جينيف خلال الأسبوعين الماضيين.
الحقيقة أن الـ«ووتش» تسجل موقفاً متميزاً بتقديم نماذج مختلفة لمعايير تقارير حقوق الإنسان، فبعد أن كنا نشكو من الازدواجية أصبحنا نواجه الآن «تقارير تفصيل» بهدف خداع الرأى العام وتضليله لإنقاذ عملاء للمنظمة من مواجهة مواقف مصيرية وحاسمة.
لا أعتقد أن المنظمة الأمريكية ذائعة الصيت ستنجح فى خداع الرأى العام وإنقاذ قطر المدعومة من أكبر أجهزة مخابرات فى العالم، ولا أعتقد أن سحابة الدخان الأسود التى أطلقتها مهما كانت كثافتها ستنجح فى صرف الانتباه عن الحملة الدولية على الدعم القطرى للإرهاب.
الـ«ووتش» كلما تحاول النهوض تسقط سريعاً.