إن العالم الذى تابع خطاب الرئيس السيسى بجدية واهتمام وتتبع من خلاله مجمل القضايا العالمية التى هى بند دائم فى مباحثات أى دولتين أو عدة دول سيجد رجلاً درس جيداً الوضع المحلى لبلاده والإقليمى لمنطقته والدولى للعالم كله.
وأود أن أوضح أنه منذ تولى د. بطرس غالى مسئولية الأمم المتحدة كسكرتير عام كأول عربى، وأعتقد آخر عربى يتولى تلك المؤسسة الدولية المهمة، قاد هو ومجموعة من مراكز البحوث والدراسات الدولية حملة دولية منظمة لما يسمى وقتها النظام العالمى الجديد new world order وكان هذا طبيعياً فى ظل سقوط الاتحاد السوفيتى وتنامى فكرة العولمة، التى اتضح فيما بعد أنها وسيلة لأمركة العالم حسب النموذج الأمريكى الرأسمالى، وبتحكم وحيد من أمريكا القوى العظمى الوحيدة كما ظنت، وبدأ فريد زكريا يبشر فى «النيوز ويك» بالعولمة globalization وأن السيارة التويوتا اليابانى مع الكريزلر والشيفروليه الأمريكانى هى رمز العولمة، وأنه لا حماية لتجارة أو إنتاج وطنى لأى دولة، فالشركات العملاقة ستقود الدول والمجتمعات، ولا حاجة لكل الجيوش ووسائل الإعلام المحلية فالعالم واحد والإعلام واحد ما يحتاجه الأفريقى والآسيوى من أخبار وتعبير عن مشاكله سيجده جاهزاً فى الشبكات الدولية، وبالطبع هى كلها غربية، وأن التليفون المحمول ووسائل التواصل الاجتماعى أسقطت الحدود بين الثقافات وبالتالى الدول، وأن الإسرائيلى والفلسطينى لا داعى للصراع بينهما فأحدهما ينتج الزيتون والآخر التكنولوجيا ويعيشان فى سلام بعيداً عن الصراعات التى لا لزوم لها؟!
وهكذا عاش العالم حلماً زائفاً بعد أن أعلن فوكوياما أن نهاية التاريخ قد وصلنا إليها بقطب واحد يقود عالماً واحداً هو أمريكا تقود عالماً أمريكياً، وبالطبع استلزم هذا تطبيق مفهوم العولمة أو الأمركة فى كل المؤسسات الدولية وأولها الأمم المتحدة.
ولقد حضرت بنفسى عدة مؤتمرات ولقاءات دولية لمناقشة النظام العالمى الجديد الذى يستلزم إعادة تشكيل الأمم المتحدة بما يناسب نهاية التاريخ أو الصراع الدولى، ولم تكن أمريكا تظن أن عالم ما بعد الحرب العالمية الثانية الذى شكلت فيه الدول المنتصرة بمعسكريها الشرقى والغربى سيتعرض لانهيار سريع بعد سقوط الاتحاد السوفيتى وسقوط حائط برلين وعودة ألمانيا دولة موحدة عسكرية وتفتيت دول أوروبا الشرقية لعدة دول منها تشيكوسلوفاكيا ويوغوسلافيا ثم دويلات الجوار الروسى وأشهرها لاتفيا وأستونيا ثم دخول أمريكا الحرب مباشرة لضرب صربيا المسيحية الأرثوذكسية حماية لباقى يوغسلافيا المسلمة فى البوسنة والمسيحية فى أوكرانيا، وهنا بدأت أمريكا تشعر أن حلم العولمة أو الأمركة ثمنه غال وفادح، فالإنفاق العسكرى لن يتراجع بسهولة وروسيا التى ظن الأمريكان أنها ماتت شكلت الاتحاد الروسى لتجمع شتاتها وتعود مرة أخرى للملعب العالمى، وكانت مفاجأة المارد الصينى ضربة للحلم الأمريكى ويقظة للعالم كله أن الأحلام لا تدوم لأن صوت اليوان الصينى شكل جرس إنذار شديد اللهجة أن الشرق عاد من جديد مناطحاً للغرب فى ماله وسلاحه وعلمه.
وقد كان على الأمم المتحدة أن تقود قيم العالم الجديد عالم العولمة أو الأمركة، وبرزت أدوار جديدة لتحل محل القيم القديمة أو هكذا تصور اللوبى الأمريكى الذى أراد أن يشكل العالم حسبما يرى، أولها الحد من الانتشار النووى للاكتفاء بالدول التى حصلت عليه دون غيرها من خلال اتفاقية منع الانتشار النووى، ثم حماية حركة التجارة الدولية وإسقاط كل الحواجز ولا حماية لأى إنتاج محلى حتى تتمكن الشركات العملاقة من تسويق منتجاتها دون مشاكسة من خلال اتفاقية التجارة الحرة، ثم حماية كوكب الأرض الشهير بحماية البيئة، ثم حماية حقوق الإنسان من خلال اتفاقيتها ثم حماية المرأة من خلال اتفاقية خاصة بها، ثم حماية الطفولة باتفاقية خاصة ثم حماية المثليين وهكذا، كان حظ بطرس غالى أن دخل التاريخ من باب العولمة وخرج منه حينما اعتمد تقريراً ضد إسرائيل فى عربدتها المتكررة على فلسطين ولبنان، وأشيع وقتها أنه كان متفقاً أن يبقى فترة واحدة، يبدو فيها رجلان عربيان مررا أهدافاً أمريكية خالصة أحدهما البرادعى لاعتماده العراق دولة مارقة على النظام العالمى بإنتاجها للسلاح النووى، والآخر بطرس غالى الذى مرر قيم أمريكا فى السيطرة على العالم من خلال العولمة من خلال الأمم المتحدة.
ولقد قدر الله لمصر وللمنطقة رجلاً لم يختر موقعه كرئيس لمصر مركز حركة المنطقة العربية ومحرك محيطها الأفريقى أو سعى إليه، وإنما ساقه الله لهذا الموقع قد يكون استجابة الله لدعوة امرأة سورية يتمت حرب سوريا أولادها أو بكاء طفل ليبى شردته حرب ليبيا أو عجوز عراقى أعدمته داعش الأمريكية، ليجد العالم أمامه ولأول مرة تشخيصاً صريحاً لحاله، الذى يبدو أنه يشكل نظاماً عالمياً جديداً بعد أن تغير الاتحاد الأوروبى وروسيا وعاد القلق على الحدود وتشكلت دول البريكس من قارات أفريقيا وآسيا وأمريكا اللاتينية بديلاً لحركة عدم الانحياز التى شهد مولدها عبدالناصر ووجدت أمريكا نفسها حلمها بالسيطرة الوحيدة على العالم يضيع منها على أصوات صواريخ كورية تهدد حدودها نفسها وعاد الجيش الألمانى وعاد الجيش اليابانى يعلنان بوضوح أن الحرب العالمية الثانية لم تنته كما تصور بعض السذج، وأنه من المرجح جداً حرب عالمية ثالثة ولذا وجب على السيسى أن يعيد الجيش المصرى لواجهة الأحداث.
وختاماً
إن إعلان السيسى عن عودة السلام بين إسرائيل وفلسطين فى زمن تعود فيه الحروب هو استثناء تاريخى يذكر أمريكا والعالم أن دولتى كوريا ودولتى فلسطين وإسرائيل بقيتا ثمناً لانتصارات وهزائم الحرب العالمية الثانية ولم يخرج من أتون هذا الجحيم الإنسانى سوى دولتى ألمانيا الشرقية والغربية بسلام أولاً واندماج ثانياً حققه سقوط حائط برلين فهل تكون دولة فلسطين حقيقة على يد السيسى يبدو ذلك ممكناً.