البناء فى مخرات السيول بنفس أزمة توقع تكرارها فى نفس المكان ما بين دروس زاوية عبدالقادر ورأس غارب لم تترك بحرى ولا قبلى إلا طالته، وأسوأ ما فيها ترك التعديات فى الممرات ونقص الإمكانيات من الأماكن والمعدات.. ومحافظ جنوب سيناء يصرح بأن المشروعات لم تكتمل، وتبعه محافظ البحر الأحمر، وتحقيق خاص رائع من قناة (أون تى فى) عن عدم اكتمال الأعمال، ومشروعات رأس غارب لم تكتمل، وكأن كل مشروع فى مصر يجب أن يترك وراءه شيئاً لم يكتمل، أو بتعبير المصريين الدارج «لكل مشروع ذيل» متروك من العام الماضى أو الحالى فينتقص من كمال مهمته، أى: «الحلو مايكملش»، ونود أن نوضح ما يلى:
أولاً: إن التنبؤ بالزلازل مثل التنبؤ بالسيول لم تعرف الأجهزة الدقيقة موعده بدقة وإن عرفته لن تعرف مكانه بنفس الدقة، ومخطئ من يتصور أنها تراوح مكانها عاماً بعد عام وإنما قد تضرب رأس غارب العام الماضى وتتركها لتضرب مرسى علم العام المقبل، وأهم شىء الدروس المستفادة من ضرورة فتح قنوات ناقلة للمياه بالقرب من الجبال والهضاب، حيث تزداد السرعة وقوة الاندفاع فيكون أثرها مضاعفاً لو زادت الكمية المحمولة من مياه الأمطار عن معدلها الطبيعى.
إنه منذ عشرين عاماً تقريباً ضربت السيول جبال البحر الأحمر فاستيقظت الثانية صباحاً أنا وجيرانى على اندفاع مياهها بثكنات المعادى بجوار فيلا نائب رئيس الجمهورية الأسبق حسن التهامى، ولأول مرة أرى هذه المياه الحمراء التى تدل على أنها جرفت طبقات من تربة الجبال وسطح الأرض عبر مسيرتها فى وادى دجلة الذى من المرجح أن يكون مسار ترعة أوزوريس الفرعونية التى تربط البحر الأحمر بالنيل والتى أعاد حفرها عمر بن الخطاب وما زال هذا مشروعاً مقترحاً للرئيس السيسى لإعادته مرة أخرى على خريطة مصر. وكانت نتيجة اندفاع المياه الشديد حفر عميقة ولولا مهندسو الرى أيام الملكية لكانت المعادى غرقت مثل رأس غارب.. وهذه هى قصة مخر السيل ضمن 4 مخرات للسيول تحمى جنوب القاهرة، وبقى شرقها!
ثانياً: الأزمة ليست كلها سيولاً، حيث يتعرض شرق القاهرة للإطمار من الكثبان الرملية وهجوم الرياح الرملية المحملة بالسفا من دقيق الأتربة والرمال إلا الجزء الذى تم تدبيشه.
وامتداد العمران فى مناطق جديدة ممتدة من جبال البحر الأحمر عبر العاصمة الإدارية وبدر والشروق والقاهرة الجديدة و15 مايو، يستلزم خططاً جديدة لمواجهة زحف الرمال الذى يهدر كفاءة الطرق على طرق السويس والإسماعيلية وغيرها من الطرق الصحراوية الممتدة عبر الصحارى المصرية غرباً وشرقاً ويهلك 25٪ من الطرق سنوياً.
ثالثاً: إن دراسة 50 عاماً من مسارات السيول فى مصر قد ترسم لنا خريطة تحذيرية منها، ولوحظ فى معظم دول العالم أن العشرين سنة دورة زمنية تعود فيها إلى نفس الأماكن بدورة تتكرر فى أولها وأوسطها وآخرها وهذا هو الحد الأدنى من دراسة التنبؤ بالموعد إذا تشابهت نفس الظروف لتوقعها فى نفس المكان، أما إذا ما ضربت مكاناً جديداً فعلينا عمل جدول زمنى جديد خاص بهذا المكان ليضاف صفحة جديدة لأطلس السيول لهذه الدولة.
رابعاً: إن اجتماع الرئيس السيسى لتأكيد احتياط الحكومة من آثار متوقعة للسيول هو أول اجتماع لرئيس جمهورية عبر التاريخ المصرى للتحذير من كارثة طبيعية وهو يعطى للأجهزة تحولاً كبيراً فى إدارة هذا الملف. والحقيقة أننى تابعت الاجتماعات المتكررة لشريف إسماعيل وحكومته فى هذا الشأن وهو أمر أسعدنى أن تساير الحكومة النهج العلمى فى التعامل مع الأزمات الطبيعية التى حذرنا منها كثيراً كخبراء مناخ، ولعل إعصار هارفى وإرما وهاتو يعود لها الفضل فى مصداقية ما حذر منه علماء المناخ أن وضعاً جديداً طرأ على الكرة الأرضية يشبه كثيراً عوامل غرق قارة أطلانطا وغرق الإسكندرية القديمة والقارة المكتشفة العام الماضى فقط غارقة بالمحيط بجوار أستراليا.
إن مصر تضربها عدة أنواع من الكوارث الطبيعية لم تحسب خسائرها بدقة هى السيول والتصحر والجفاف والزلازل وهجمات الفيروسات كإنفلونزا الطيور وحمى الضنك ومرض السعار الذى يصيب الحيوانات وضربات الشمس بسبب الإجهاد الحرارى لارتفاع درجات الحرارة والغرق التدريجى البطىء لحرف الدلتا وملوحة الأراضى المتاخمة حتى مشارف الدقهلية.
خامساً: بعد فتح مخرات السيول القائمة قد يكون موسم الشتاء المقبل هو الأسوأ فى القاهرة، بل قد تتعرض منطقة زهراء المعادى جنوب العاصمة للغرق حال حدوث سيول أو سقوط أمطار غزيرة على غير المعتاد، إذا حدثت تغيرات بيئية مفاجئة.
هذا ما أكده وحذر منه مسئولو وزارة الرى والجهاز التنفيذى لمياه الشرب والصرف الصحى بالقاهرة، خلال اجتماع المجلس التنفيذى لمحافظة القاهرة هذا الأسبوع.
فقد حذر ممثل وزارة الرى المجلس التنفيذى من كارثة قد تؤدى إلى غرق منطقة زهراء المعادى، بسبب العديد من المشكلات والتعديات التى لحقت بمخر سيل طرة، وهو أحد المخرات الأربعة الموجودة بالقاهرة، لتجنيب العاصمة وأحيائها مخاطر السيول، وهطول الأمطار بترك مشاكل معلقة منذ سنتين بسبب تركيب مواسير المياه الناقلة من محطة الفسطاط على النيل بالمعادى إلى القاهرة الجديدة فى نفس مسار مخر السيل القادم من وادى دجلة وبخطأ تركيب المحابس.
وناشد مسئول الرى، فى اجتماع «التنفيذى» بالمحافظة، عاطف عبدالحميد، محافظ العاصمة، سرعة التدخل وتشكيل لجنة فنية مشتركة من «المحافظة»، الرى، مياه الشرب والصرف الصحى، مركز بحوث المياه، لتلافى المشكلات الموجودة فى مخر سيل طرة.
وأكد ممثل وزارة الرى فى المجلس التنفيذى وجود خطأ فنى فى مخر السيل، حيث إن جهاز مياه الشرب بالقاهرة طلب من الرى ترخيصاً بتوفير ماسورتين للصرف، ولكن فى أثناء التنفيذ تم تصميمهما أعلى المخر، وكان من المفترض أن تمر الماسورتان أسفل المخر، لافتاً إلى أن غرفة المحابس لماسورتى الصرف تمنع تصريف مياه السيول والأمطار.
وأشار إلى إغلاق غرفة محابس المخر فى بعض الأماكن، خاصة الموجودة بطريق الأوتوستراد، موضحاً أنه تم تحرير محاضر مخالفات بذلك، إلا أن الخطأ الفنى ما زال قائماً، وهو ما ينذر بكارثة حال تعرض العاصمة لموجة شديدة من الأمطار أو السيول تركنا لها مشاكل من الذيول.
وختاماً:
إن اجتماع الرئيس السيسى بالأجهزة المعنية لمتابعة استعدادها للأزمات الطبيعية هو أداء جديد لرئاسة الجمهورية يؤكد أن الوقاية خير من العلاج وأن أخذ الاحتياط للكارثة يقلل من خسائرها بشكل كبير وينقذ أرواح آلاف. ونحن كخبراء نضع صورة عقيد الجيش الذى كان يفتح بالوعة الأمطار لإنقاذ الإسكندرية من السيول كشعار لالتحام الجيش مع الشعب وقت الشدة، فما بالك وقائده الأعلى هو رئيس الجمهورية الذى أرسل لنا رسالة طمأنينة باجتماعه لحشد جهود الدولة لمواجهة موجة عنف الكوارث الطبيعية التى تضرب العالم كله.