لم تكن الحرب التى تعرضت لها الشرطة المصرية هى الأولى، لقد رأينا وشاهدنا كيف تآمروا على الجهاز الوطنى فى أحداث الخامس والعشرين من يناير حتى وصلت إلى ذروتها فى الثامن والعشرين من الشهر نفسه، ما أدى إلى انهيار الشرطة فى ذلك الوقت.
لم يستسلم رجالها للمؤامرة والخيانة، كانوا يعرفون منذ البداية أن الهدف هو الدولة وإسقاط مؤسساتها الواحدة تلو الأخرى.. تعرضت أسرهم، الزوجات والأبناء، لإهانات بالغة، لا لشىء إلا لأن ولى الأمر ضابط أو واحد من أفراد الشرطة.
تحمل الرجال كل شىء، كتموا غيظهم، لم يتخلّ كثيرون منهم عن مواقعهم، وبدأوا على الفور تحركات سريعة لإعادة اللحمة إلى هذه المؤسسة العريقة. وفى زمن الإخوان، كانت الشرطة المصرية هدفاً، استهدفوا وزيرها اللواء محمد إبراهيم يوسف داخل البرلمان، وبعد وصولهم إلى السلطة بدأوا حرب المكايدة ضد اللواء أحمد جمال الدين الذى كان قد تولى المسئولية فى هذا الوقت، وعندما أدركوا أن اللواء محمد إبراهيم مصطفى يخالفهم المواقف والآراء بدأوا الحرب ضده.
وفى 15 يونيو 2013، أى قبل انطلاق مظاهرات الثلاثين من يونيو، حضرت اجتماعاً لمجلس إدارة نادى ضباط الشرطة فى مدينة نصر، برئاسة اللواء صلاح زيادة، كان قرارهم فى ظل حكم مرسى، هو الوقوف مع الشعب وحمايته خلال المظاهرات ورفض حماية مقار الإخوان وحزب الحرية والعدالة.
وخلال أحداث الثورة، كانوا معنا فى الشارع، جنباً إلى جنب، لم يترددوا، لم يجبنوا، لم يقفوا متفرجين، بل كانوا فصيلاً قوياً من فصائل الثورة التى استهدفت عودة الهوية المصرية المخطوفة، والحفاظ على مؤسسات الدولة المستباحة.
قدموا آلاف الشهداء والجرحى، من سيناء إلى أسوان كانوا ولا يزالون أسوداً فى الميدان، يقدمون التضحية ويتصدون لمخاطر الفوضى والإرهاب، لا يريدون من الدنيا شيئاً سوى أداء الرسالة التى أقسموا عليها، وهى حماية مصر.
وخلال معركة اقتحام أحد أوكار الإرهاب فى صحراء الواحات يوم الجمعة الماضى، كان الرجال عاقدين العزم على تحقيق النصر أو الشهادة، دخلوا إلى العمق بين الجبال والوديان، فوجئوا بالتسليح المتقدم للإرهابيين الذين سعوا للإيقاع بهم، واجهوا بكل بسالة واستشهد عدد منهم.
وقبيل انتهاء المهمة فوجئ الرأى العام بالتسجيلات الصوتية المنتشرة على مواقع التواصل الاجتماعى، تشكك فى كل شىء، وتدّعى ادعاءات كاذبة عن سيناريوهات غير صحيحة.. فتستخدمها القنوات المعادية أداة للتشهير وتعمد الإساءة لرجال الشرطة البواسل.
إنها حرب من نوع جديد، حرب تستهدف إضعاف المعنويات، وتفتيت المؤسسات، وإثارة الفوضى واستخدام آليات جديدة لتحقيق الهدف، بعد أن فشلت كل الآليات الأخرى فى أداء مهمتها.
إن القضية لا يمكن حصرها فى الإدانة لمجرد الإدانة أو المؤامرة لمجرد المؤازرة، لكنها الإدراك اليقينى وقراءة الواقع والظروف التى تمر بها البلاد، وما تتعرض له من مخاطر شتى، لا تخفى على أحد.
إننا ندرك أن الحرب التى تشن ضد مصر ليست حرباً لمجموعات من الحاقدين أو المغيبين أو حتى التكفيريين لكنها حرب خارجية تستهدف تنفيذ الأهداف المعلنة من وراء مخطط الشرق الأوسط الجديد.
لقد تعمدت بعض وسائل الإعلام، ومنها وكالة «رويتر» صاحبة المواقف العدائية من كل الأحداث التى تمر بها مصر، تشويه الصورة وتصدير الكذب على أنه الحقيقة والسعى إلى لغة التحريض والنيل من مؤسسات الدولة، وكل ذلك يعطى مؤشراً عن هوية هؤلاء الذين يسعون إلى تقويض الوطن وضرب الاستقرار فى مصر.
إن القوى التى تقود هذا المخطط التآمرى الذى تسبب فى سقوط العديد من الأنظمة وانهيار الدول لا تخفى على أحد، لكنها تدفع بكل ما تملك لإفساد فرحة مصر بكل إنجاز يتحقق أو تقدم فى البناء العسكرى أو التنموى، ويختارون لذلك أيام الانتصارات الكبرى فى تاريخ الشعب المصرى.
وإذا كان البعض لا يدرك أبعاد هذا المخطط، ولا يعرف أن البلاد تخوض أخطر الحروب التى تواجهها من الداخل والخارج، فمن المؤكد أنه غائب عن الوعى إن لم يكن أداة، أراد أم لم يرد فى يد هؤلاء المتآمرين.
ومن هنا تأتى أهمية الدور الذى يمكن أن يلعبه البرلمان ليس فقط فى توفير كل سبل الدعم للمقاتلين وأسرهم ولكن أيضاً فى إصدار التشريعات وتفعيل القوانين التى تحقق العدالة الناجزة وإحالة كل قضايا الإرهاب للمحاكم العسكرية.
إن بلداً يتعرض لهذه المخاطر الكبرى من حقه أن يستخدم كل الآليات لحماية الدولة من خطر التفتيت دون النظر إلى صرخات المتآمرين والمتأخونين، الذين يطالبون بالعفو عن القتلة، بل وتكريمهم على جرائمهم المفزعة.
إن من يضعون أياديهم فى أيادى الإرهابيين من الإخوان وتنظيماتهم ووسائل إعلامهم، لا يستحقون العيش بيننا، لأنهم كالسرطان الذى ينتشر رويداً رويداً إن لم يجد من يوقفه ويردع نموه.
إن مصر تتقدم إلى الأمام وتعود لممارسة دورها القومى والمحورى على الساحة العربية والدولية وتعيد بناء قوتها الذاتية بأسرع مما يتوقع الكثيرون، وكل ذلك يوجب على الجماعة الوطنية أن تدخل بكل قوة إلى الميدان لتحقيق النصر على أعداء الوطن.
إن معدن الشعب المصرى «النفيس» يتجلى فى الأزمات أكثر من أى وقت آخر، تتجلى فيه الشخصية المصرية التى تضرب بجذورها فى عمق التاريخ، وأظن أن اللحظة المناسبة قد حانت، الآن، ربما أكثر من أى وقت مضى.