لتعثر أوضاع الإنتاج السينمائى ولممارسات احتكارية يمارسها البعض.. مخرج سينمائى لامع ( خبرة 30 سنة سينما و50 سنة طبيخ ) يبحث عن عمل كطباخ!
للأسف.. كلمات حقيقية ومؤلمة كتبها المخرج الكبير "يسرى نصرالله" تحمل كثيراً من الحزن والأسى فى إسقاط هزلى على الوضع الذى وصل إليه صناعة السينما والذى جعل مخرجاً كبيراً صاحب مشواراً سينمائياً طويلاً يجد نفسه تحول إلى مجرد فرد وسط صفوف المشاهدين لأعمال أصبح الكثير منها عبئاً على أرشيف السينما وذاكرتها!
سنوات ليست بالقليلة تحولت فيها صناعة السينما إلى تجارة.. تجارة شرعية من بعض صناعها فى حشو أفلام من منطلق المقولة الشعبية الشهيرة "عبيله وإديله" وتجارة أخرى خلفية ظهرت بظهور "قراصنة الأفلام" الذين يقومون بسرقتها من السينما وبيعها لمواقع الإنترنت المتخصصة فى ذلك لتوجه ضربة قوية لصناعة السينما أدت لخسائر باهظة لأفلام كبيرة كانت تستحق إيرادات تاريخية على رأسها فيلم "أيام السادات" للراحل "أحمد زكى" الذى تعرض لصدمة كبيرة ساهمت فى مرضه الذى أودى بحياته ثم كانت الضربة فى مقتل بعد ظهور "القنوات الشمال" والتى تعتمد على سرقة النسخ الأصلية للأفلام أو بجودة الأصلى فور عرضها بالسينما لتعرضها على شاشاتها دون رقابة ولا عقاب ولا معرفة كيفية وصول هذه النسخ لأيدى هؤلاء والمسئول عنها لتتحول "القنوات الشمال" إلى شاشة العرض الأولى والبديلة والموفرة لمعظم الجمهور ما أدى لخسائر فادحة للمنتجين وانسحاب كبارهم من ساحة الإنتاج وهو ما ساهم فى ضعف الأعمال المعروضة وإفساح الطريق للأعمال التجارية والرخيصة "إنتاجاً ومضموناً" إلا ما رحم ربى.
شباك التذاكر هو الحاكم لعملية الإنتاج السينمائى فهو التعويض الشرعى للمنتج عن ما يدفعه فى صناعة العمل وأمام ما يحدث أصبح المنتجون المتواجدون يضعون أعينهم على الإيرادات أولاً وعليه يتم تفصيل عمل مناسب لحصد إيرادات بكل الطرق الممكنة وبالطبع المضمون تتراجع أهميته إن لم تختفى أساساً لتتحول الصناعة للعبة من المنتج وكيف سيغطى مصاريف فيلمه ويربح منه باستخدام كل التوابل المتاحة.
فى المواجهة ابتعد المنتجون الذين يقدمون أعمالاً ذات قيمة وتحفظ لتاريخ السينما البعيد هيبته وقيمته خوفاً من الخسائر الفادحة وبالتالى توقف منفذو الصناعة من الكبار وأصحاب الخبرات من مؤلفين ومخرجين ما دفع مخرج كبير مثل "يسرى نصرالله" لكتابة كلماته المؤلمة التى يشكل كل حرف فيها لطمة موجعة بحجم تاريخه ويتحول بها إلى رمز لجيل كبير من المبدعين لا تتسع المرحلة لإبداعه.
بلا شك صناعة السينما من أهم الصناعات التى تقوم عليها الدولة ولن يكون مبالغة اعتبارها أمن قومى بجانب صناعة الدراما لما تساهم به فى التأثير فى المجتع وتشكيل وعيه وهو ما يلزم الدولة بدعمها كما كان سابقاً وإنقاذها من الانهيار فما تقدمه الدولة من دعم يسير بالمنتج السينمائى فى اتجاه الجودة وخاصة فى المضمون كما أن صورتنا أمام المشاهد الخارجى تتأثر بنوعية العمل الفنى الذى نقدمه ونصدر له تفاصيله.
خطوة عودة دعم الدولة لصناعة السينما وأيضاً الدراما خطوة أصبحت مُلحة وتحقيقها لا يحتاج لـ "حسبة برمة" أو إبداعات جديدة.. فتستطيع الدولة أن تضخ أموالاً فى الصناعة مباشرة وبشكل صريح من خلال جهاز السينما أو قطاع الإنتاج اللذان أصابتهما الشيخوخة لمساندة المنتجين الكبار وإعادتهم للعمل مرة أخرى أو تترك المنتجين يقومون بالعملية الإنتاجية بكامل طاقاتهم وتدعمهم من خلال الكيانات الإعلامية التى تدعمها بإنشاء قناة خاصة بالأفلام تعرض الأفلام حصرياً ويتم التمويل من خلالها وهو ما سيدير عجلة الإنتاج السينمائى بكل قوتها لأن الكبار من المنتجين يطمحون فى الاستمرارية وليس تقديم فيلم لموسم ثم العودة بعد إثنان أو ثلاثة وهو ما سيزيد من فرص عمل أهل الفن وستضمن الدولة بذلك نوعية أعمال عالية الجودة وهى تجربة أثبتت نجاحها مع بداية إنشاء "روتانا سينما".
شريط السينما يئن ويستغيث بيد قوية تمتد إليه وتخرجه من كبوته وتفك قيوده لتعود له هيبته ويُرد له اعتباره بعد تخلى القوى الداعمة عنه وتركه وحيداً مع دموع حزنه على حاله.
صناعة السينما والدراما أيضاً تحتاج إعادة نظر سريعة كما تم مع "مهرجان القاهرة السينمائى"..
عملية إنقاذ شاملة لأحد أهم الصناعات المؤثرة فى الدولة حتى لا نرى كتاباً ومخرجين كبار يطلبون هذه المرة وظائف عاملين وسائقين "توكتوك" وتتحول صناعة السينما الحقيقية لذكرى مؤلمة يتبقى منها "دموع فى شريط سينما"!