فى أدبيات قياس أثر الحكومات، ليست العبرة بعدد الوزراء والاجتماعات والقرارات والتصريحات والجولات الميدانية والزيارات المفاجئة، ولكن بما تحققه هذه الحكومات من قيمة مضافة للمواطنين تنعكس على حياتهم، ويتلمسونها من خلال حلول مستدامة ورؤية واقعية.
منذ أيام، كانت دولة الإمارات على موعد مع تشكيل وزارىّ جديد، وهو أمر طبيعى فى كل دول العالم. لكن ما يستحق التأمل مقروناً بالانبهار، أن التشكيل الجديد الذى شمل (31) وزيراً ووزيرة قطع أشواطاً غير مسبوقة مقارنة بحكومات المنطقة. وحتى ننتقل من التنظير إلى التحليل، هناك أربع وقفات جديرة بالرصد فى هذا التشكيل الوزارى الاستشرافى.
أولاً، فى سابقة هى الأولى عالمياً، يتم تخصيص حقيبة وزارية للذكاء الاصطناعى بقيادة شاب إماراتى عمره 27 عاماً، كان برغم صغر سنّه عرّاب مؤسسة القمة العالمية للحكومات التى تنعقد سنوياً فى دبى، وحقق نجاحات باهرة ليصبح اليوم «وزير دولة للذكاء الاصطناعى»، استعداداً من الإمارات لمواكبة ثورة الابتكارات والاختراعات واستباقها لتكون القاعدة «إن لم تُحكم وثاق مستقبلك، تحكّم فيك مستقبلك». وقبل استحداث هذه الحقيبة الوزارية، كان قد تم إطلاق استراتيجية وطنية متكاملة تهدف للارتقاء بالأداء الحكومى، وإيجاد بيئات عمل مبدعة ومبتكرة من خلال الاستثمار فى أحدث تقنيات وأدوات الذكاء الاصطناعى.
الوقفة الثانية، لأن لغة العالم الآن تجاوزت البحوث النظرية ورسائل الماجستير والدكتوراه التى تكاد تكون نسخاً مكررة لموضوعات متقادمة، فقد استحدثت الحكومة حقيبة جديدة هى «المهارات المتقدمة» أُسندت إلى وزير التعليم العالى لتكون وزارة «التعليم العالى والمهارات المتقدمة»، مسئوليتها الاستثمار فى بناء مَحافظ بشرية استثمارية بأدوات ولغة ومهارات وثقافة ومتطلبات تواكب العصر، وليس فحسب منح شهادة لخريج يبدأ رحلته المهنية فى مكان يتعلم فيه من جديد، لأنه عاش وهماً اسمه «تعليم بلا مهارات، وتلقين بلا أدوات، ومعارف بلا تطبيق، وحاضر بلا مستقبل».
الوقفة الثالثة خاصة باعتبار الحكومات مواطنيها أهم ثرواتها، وبالتالى فإن كل ما تقدمه لهم من خدمات لا بد أن يؤدى على أرض الواقع وليس على الورق إلى جودة حياة المواطنين، وهنا خصصت الحكومة فى تشكيلها الجديد حقيبة لجودة الحياة وإضافتها إلى السعادة لتكون الوزارة فى ثوبها الجديد «وزارة السعادة وجودة الحياة»، وقد يبدو الأمر ترفيهياً، ولكن من يقرأ تقرير السعادة العالمى للأمم المتحدة فى نسخته الخامسة للعام 2017 يدرك أن مراتب الدول تتحدد بما تحققه من جودة الحياة والسعادة لمواطنيها، وقد تصدرت كل من النرويج والدنمارك وأيسلندا وسويسرا وفنلندا المراتب الخمس الأولى عالمياً، وجاءت الإمارات فى المرتبة (21)، بينما لم تتجاوز مصر المرتبة (104) عالمياً من بين (155) دولة، و(14) عربياً بعد فلسطين وقبل العراق.
أما الوقفة الرابعة والأخيرة، فهى تحقيق المعادلة التى عجزت عنها حكومات دول عديدة وهى: «قل لى ما هى أعمار وزراء حكومتك أقُل لك أين أنت من المستقبل»، ففى التشكيلة الوزارية الجديدة يدهشك تعيين (6) وزراء جدد أعمارهم بين (27) و(38) سنة، يحددون مصير ملفات الدولة فى التعليم والشباب والأمن الغذائى والسعادة وجودة الحياة والمهارات والذكاء الاصطناعى، ولنا أن نتخيل كيف ستكون سيمفونية أداء وإنجازات هذه الحكومة الشابة لصالح وطنها.
بهذه التشكيلة الوزارية المتفردة، أصبحت «حكومة الإمارات» بتوجهاتها التنموية الاستشرافية، واستثماراتها فى رأس مالها البشرى، وطموحاتها فى الريادة والتنافسية العالمية نموذجاً يُحتذى لحكومات العالم التى تسعى لمستقبل أفضل، إن صدق عزم وإرادة هذه الحكومات للارتقاء بمجتمعاتها وبحاضرها ومستقبلها.