قلة هي الروايات التي تنسيك أنك تمسكها، فهي تبعدك عن كل شيء بمجرد قراءة أول كلمة لم اختير هذا الشعور أبدا مع أي كاتب أبدا قبل هذه الرواية، الاسم ليس جذاب بتعبير السوق لكنه اسم يحمل كل تساؤلات الكتابة عودة الروح لمن؟ ولماذا؟ وكيف ومتي واين؟ وماردود الفعل؟، باختصار روايه تصنع فى أرض بكر قواعد خاصه لكتابة الرواية وبشكل بسيط جدا سلسل.
الكاتب توفيق الحكيم أصدرها بعد مسرحية أهل الكهف، لكي يضع مبدأ جديد في الكتابة الإبداعية العربية، اللامتوقع أو الصدمات للجمهور لا تكتب ما يتوقعه أحد وكن متجدد في موضوعاتك.
لنبدأ مع محسن بطل الرواية من البداية، فانت تجهل كل شيء عن كل شخصيات الرواية لكن الراوي يعرف كل شيء لكنه يستكشف أيضا مع محسن الصغير أحوال الشعب المكون من الصول المرفود، وابن العم الموظف والخادم والعانس اختهم التي تقوم بخدمتهم.
بالتأكيد هذا تلخيص مخل بأحداث الرواية، فالرواية لأول مرة في تاريخ الكتابة الإبداعية العربية تقدم مواقف حقيقية فعلا بكل الأبعاد فمثلا موقف البداية مشهد مرض الشعب هو مشهد يكتبه المؤلف ليضرب عدة عصافير معا، فهو يظهر صفات كل شخصية من إيجابيات وسلبيات، ويحدث التعاطف أيضا مع كل شخصية، ويتكلم عن كل شخصية بمعلومات جديده، لنري فجأة شخصيات حية تخرج لتجلس جوارنا، وهذا ما حدث لي في أول قراءة للرواية كنت تقريبا في سن محسن الصغير على أعتاب الجامعة أيضا، لا أعرف كيف سيكون مستقبلي أيضا، وفوجئت بنظرة محسن الممتلئة بالدهشة لكل ما حوله.
عندما تعمقت أكثر وجدت أن الحكيم اخترع نمطا جديدا مختلف في الكتابة الإبداعية العربية وهو نمط الراوي المندهش، فالراوي كان محايد يعرف كل شيء لكنه لا يعلق أو يشارك، وبذلك تحولت الكتابة من كتابة لمجتمع إلى كتابة للإنسان في أي مكان وزمان.
مواقف الرواية مدروسة بدقة مسرحية متناهية كأنها خطط شطرنج، فالحكيم استطاع بعد تطوير الشخصيات إلى شخصيات حية، استطاع تحويل المواقف المختلفة إلى مواقف غير متوقعة وتحتمل أكثر من رأي، لكنه لا يمضي مع توقع القارئ أو ضده فالحكيم اخترع نمط جديد مختلف فهو يحاول فعل التوقع والصدمة معا.
الرواية رغم طولها الا انها قطعه شعرية سلسله، لا تشعر بنفسك الا في اخر الرواية دخلتها وانا في حالات كثيرة من عدم التركيز والفهم، لكني خرجت منها وانا حزين علي افتقادي لكل الشخصيات لاتعرف لأول مرة علي احساس الونس مع شخصيات حية تخرج من الرواية.
الحدث في الرواية حدث متصاعد إلى الذروة ثم هابط إلى النهاية، وهو بذلك حدث تقليدي لكن لنتذكر أن هذه الرواية لم يسبقها إلا روايات معدودة في الظهور أصلا.
الرواية تبدو سهلة جدا وبسيطة رغم العكس تماما فالرواية تخفي طبقات مختلفة للتلقي فمثلاً الإهداء مجرد كلمات الكل في واحد مثل فرعوني هذا يحيلنا إلى المستوى الرمزي في الرواية.
"عودة الروح" رواية تعددت خطوط حمراء كثيرة فالحوار العامي حوار مختلف تماما عن ما هو سائد لكنه أيضا حوار فصيح، فهي عامية تكتب فصيحة ما سهل لظهور اللغة الثالثة في بيان مسرحية الصفقة للحكيم أيضا.
الرواية لا تبحر فيها برغباتك، فهي تفرض عليك إيقاعها ورغبات كل الشخصيات، وأيضا تجعلك تبكي وأنت ترحل عنهم بنهاية الرواية، فتفعل مثلي لتبحث عن تجسيدها في أعمال مختلفة سواء إذاعية أو مسرح لتكتشف الشخصيات من أكثر من جهة وتتحول بإبداع الممثلين الأكثر عمقا وأصالة.