فى إحدى القنوات الفضائية، وبينما كنت أنتظرُ موعد البرنامج الذى سأظهر فيه قدم لى أحدهم شخصاً كان يبدو منهمكاً فى ترتيب أوراقه وقال: فلان الفلانى أحد المنشقين على جماعة الإخوان المسلمين!!
أقول الحق بدوتُ كما لو أن ثعباناً قد لدغنى، فمثلى لا يقتنع بهذا الانشقاق وإنما أرى أنها تجارة رابحة فى هذا الزمان، وسألتُ نفسى على مضض: أو لم يجد هذا الشخص تقديماً له أفضل من مسألة الانشقاق هذه، أم أنه يريد أن يظهر فى التلفاز ليقول لجماعة الإخوان: هأنذا سوف أفضحكم وسأقول كلاماً كان فى طى الكتمان!
ولأن هذا النوع من الأشخاص قد ملأ الدنيا وشغل الناس وتكالبت حوله الفضائيات ودور النشر، بحيث أصبح مفكراً ومنظراً يضع كتاباً تلو الآخر والسبب واضح تماماً، وهو أن هؤلاء إذا كانوا تموقعوا وشغلوا منصباً مرموقاً داخل هيراركية الجماعة لما كنا سمعنا عنهم ولا عرفناهم، لكن لأن واقع الحال غير ذلك وطردتهم الجماعة ولم تعرض عليهم أى مناصب وتركتهم أفراداً عاديين ضمن الكثيرين وحرمتهم من القيادة والرئاسة فهجروا الجماعة وجاءوا إلى الطرف الآخر الذى هشَ وبشَ فى وجوههم، وأظهرتهم الفضائيات أنهم أصحاب فكر وما هم بمفكرين.
هذا النوع من البشر يملأون الساحات، وما يحزُ فى نفسى أن الشخص منهم يقدم نفسه بأنه منشق على الجماعة، واستغل سذاجة البعض منا ونسيانهم أنهم كانوا من ضمن كوادر الإخوان ووضعوا التنظيرات فى الكر والفر والخطط لقتل من قتل، والهجوم على الآمنين باسم الدين.
بعبارة أخرى لو حاسبنا هؤلاء المنشقين على ما اقترفت أياديهم من آثام فى حق المواطنين العاديين لتوفرنا على قائمة لكل شخص منهم يندىَ لها الجبين خجلاً، ولذا بدلاً من الحفاوة بهم علينا أن نحاكمهم على الجرائم التى خططوا لها ونفذوها مع أفراد الجماعة فى حق المواطن المصرى العادى الذى يدفع ثمن تحولاتهم الدينية اليوم وغداً وبعد غد.
ولست فى حاجة على أن أقسم على ذلك بأغلظ الأيمان فكلنا يذكر كيف بكى أحد هؤلاء المتحولين على كبير الجماعة عندما مات وعندما كان يشكو من مرض عضال قبل موته.
لم يستح هذا المتحول أن يبكى فى التلفاز أمام ملايين البشر تأثراً لفقد كبير جماعة الإخوان، الغريب أن هذه اللعبة قد انطلت علينا ولم نسأل أنفسنا لماذا يبكى هذا الرجل، هل ما زال على وصال مع كبير الجماعة وبعض أفرادها؟
إن هذا المتحول وأمثاله لا يزال يملأ جوفه سم قاتل تجاه المجتمع المصرى، وما زالت أفكار الجماعة المتطرفة تملأ رأسه، كفانا احتفاء بمن لا يستحقون سوى السجن.. قناعتى هى أن هؤلاء المتحولين لو وجدوا المناصب ومواقع الريادة والرئاسة فى الجماعة الإرهابية لما جاءوا إلينا، ولأنهم وجدوا ما لم يكونوا يحلمون به كالأموال والمقاعد الوثيرة فى كل مكان فى التلفاز ودور النشر، ناهيك عن تكريمهم فى المناسبات، وأقولها صراحة لو كانوا ما زالوا ينخرطون ضمن أفراد الجماعة الإرهابية لما شعر بهم أحد وكانوا مجرد أفراد يملأ الحقد قلوبهم على المجتمع المصرى وأبنائه البررة!
هؤلاء المتحولون يا قوم يتسربلون بأزياء خادعة، فهم ألد أعداء الوطن، وهم فى الحقيقة أكثر شراً من المنضوين تحت لواء الجماعة الإرهابية، فنحن نعرفهم، أما هؤلاء المتحولون يظهرون كما لو كانوا يحبون المجتمع ويدعمون السلام الاجتماعى، لكن فى الواقع هم لا يُضمرون إلا كل الشر للناس الآمنين، ونسى هؤلاء الحديث النبوى الذى يقول: «اللهم اكفنى شر أصدقائى أما أعدائى فأنا كفيل بهم»، إن هؤلاء الذين يلبسون ملابس الأصدقاء أشرّ على المجتمع المصرى من أولئك الأعداء الذين يعلنون عداءهم للناس الآمنين فى كل وقت وحين، احترسوا يا قوم من أولئك المتحولين، فانتماؤهم للجماعة الإرهابية ما زال يحكم كل تصرفاتهم، أما ادعاء البطولة والتضحية وترديد كلمة انشقاق فلا معنى له، واستغلالهم لطيبة البعض وسذاجة البعض الآخر ليس إلا بضاعة كاسدة، ولا بد أن يسأل المجتمع المصرى نفسه ماذا قدم هؤلاء، وماذا فعلوا للجماعة الإرهابية ولنا؟ ولماذا ما زالوا على اتصال بها يفرحون لفرحها ويبكون من أجلها؟
وأكاد أقول ما هو أكثر من هذا، لماذا لم يفش لنا هؤلاء أسرار الجماعة وخططها فى الهجوم فى سيناء والواحات وبقية محافظات مصر، أم أنهم جواسيس ينقلون للجماعة ما نفكر فيه، أى إنهم يعملون فى اتجاه واحد!
إن هؤلاء المتحولين خطر على المجتمع المصرى، يظهرون بما ليس فيهم، ويدعون بطولات زائفة وهم فى الحقيقة لا يضمرون للمجتمع إلا كل شر، إن هؤلاء حظوا بالحفاوة فى كل مكان ونالوا تكريماً هنا وهناك، ولو كانوا ظلوا فى كنف الجماعة الإرهابية لما كان سيسمع بهم أحد، ثم إننا لا بد أن نعيد النظر مثنى وثلاث ورباع فيهم.. فهم فشلة الجماعة، كيف نتلقفهم ونعدهم من كبار القوم عندنا، لو فتحنا كتاباً لواحد من هؤلاء المتحولين لما وجدنا شيئاً، اللهم إلا أفكاراً نعرفها منذ زمن الإمام محمد عبده، لكن خطط الجماعة لضرب السلام الاجتماعى ومؤامرتهم على جنودنا فى الشرطة أو الجيش وتفجير مؤسسات النظام التى كانوا ضالعين فيها يوماً ما.. فلا وجود لها لا من قريب ولا من بعيد، وهو أكبر دليل على تواطؤ هؤلاء المتحولين مع الجماعة الإرهابية ضد مصر وشعبها الآمن.
أدهشنى أن أحد هؤلاء المتحولين يَشترط على التلفاز ودُور النشر التى تجرى وراءه آلاف الدولارات فيرضخ لشروطه لأنه أصبح نجماً فى المجتمع المصرى، وكان غَفلاً ونسياً منسياً من الجماعة الإرهابية.