لم أتوقع أن أتلقى كل تلك التعليقات المليئة بالحسرة والإحباط على ما آل إليه هرم مصر الرابع عبر بريدى الإلكترونى والواتساب بعد نشر مقالى منذ أسبوعين بعنوان «ماسبيرو.. إعادة اكتشاف كنز قومى»، طرحت خلاله أهمية أن يُعامَل «ماسبيرو» باعتباره كنزاً قومياً يحتاج ربّاناً عميقَ الخبرة، ومستثمراً إعلامياً استثنائياً ملهماً يفكر خارج الصندوق لاكتشاف الكنوز من أراضٍ وترددات طيفية واستوديوهات وتجهيزات وموقع وتاريخ وتراث ورأس مال بشرى، ليتم استثمارها وصولاً إلى ميلاد جديد لهذا الصرح وهو يخطو نحو يوبيله الماسى فى يوليو 2020 بصمته الحزين.
فمنذ انطلاق البث الإذاعى بنداء «هنا القاهرة» بصوت أحمد سالم عام 1934، وإطلاق أوّل بث متلفز عام 1960، بدأ سيناريو الإبداع على يد نخبة من الإعلاميين والإذاعيين المميزين مثل سلوى حجازى صاحبة الوجه الطفولى، وآمال فهمى التى لا تزال ناصيتها باقية، وهند أبوالسعود التى غادرتنا وبقيت كاميراتها فى تجول وافتقاد، وأبلة فضيلة عنوان كل فضيلة أسرية حياتية. وما زالت الذاكرة حاضرة وعامرة ببرامج العلم والإيمان وعالم الحيوان وتاكسى السهرة وصباح الخير يا مصر، وفق ثلاثية التنوير والتربية والترفيه قبل ثلاثية: الواسطة والمحسوبية والخصومة المعرفية.
فى الزمن الجميل، لم يطغَ حجم الإنتاج الضخم على جودة نوعية البرامج والأفلام والمسلسلات، فرغم إنشاء قناة «نايل سينما» برصيد 1250 فيلماً تكفى لعرض متواصل يمتدّ لـ3 أعوام، فإننا كنا نستمتع بأفلام «شكوكو» والفوازير. واليوم تضم قافلة ماسبيرو 4 فضائيات تليفزيونية و9 شبكات إذاعية و6 قنوات إقليمية و8 قنوات متخصصة، ناهيك عن نحو 35 ألف عامل و10 آلاف إعلامى وإذاعى، إلا أنه لم يعد قادراً على فرز محتوى نوعى معرفى وترفيهى بمستوى ما وصل إليه الإعلام من تميّز وإبهار وإبداع فى ظل التنافسية الإعلامية، وبالتالى تكبّد ديوناً بدلاً من تحقيق أرباح فى معادلة تفتقد الحد الأدنى من قواعد عوائد الاستثمار. ما يحتاجه ماسبيرو هو التحلّى بالنهج الموضوعى المقارنى مع تجارب إعلامية حكومية فى إعادة الهيكلة مثل جمهورية التشيك وجنوب أفريقيا وغيرهما. ولعلّ من التحرّكات الإيجابية لنفض الغبار عن ماسبيرو، كان إطلاق محطّة «ماسبيرو زمان» الفضائية التى جذبت مشاهدات ضخمة فى زمن قياسى، فهل هو الهروب من الفشل فى فرز نخب إعلامية قادرة على مواكبة حاضر الإعلام وقيادته إلى مستقبل مشرق، أم أنّ السبيل الوحيد لتجاوز المحنة هو العودة للزمن الجميل وعمالقته، فنعزى أنفسنا بلقطات نادرة لأم كلثوم ومصطفى محمود وزكى رستم؟!
لكى يرى «ماسبيرو» النور من جديد، هل لنا أن نوقد شمعة من صنع عاشقى الوطن دون أجندات شخصية أو نفعية وتصريحات عنترية لا يتبعها التزام، وذلك عبر «مبادرة قومية عنوانها: ماسبيرو كنز قومى.. متحدون فى استعادة ذاكرة الوطن» يتبناها أبناء ماسبيرو من أصحاب الكفاءات وبالاشتراك مع كل المعنيين فى كليات الإعلام والمنتديات والهيئات والنقابات والشباب خريجى البرنامج الرئاسى وغيرهم، من خلال عصف ذهنى للتوصّل إلى أفضل (مائة فكرة) عملية إبداعية فى تحديث وتطوير وإعادة هيكلة ماسبيرو وفق أفضل التجارب وأحدث الممارسات الإعلامية العالمية، ويتم تكريم أصحابها فى أجواء من الإيجابية لنخرج بمنظومة أفكار يتبناها مسئول ماسبيرو الأول بالتعاون مع جميع الشركاء.
إن كان فيما أكتب أحلام، فحمداً لله لا ضريبة على ذلك، وإن كان ما قدّمت من بوح تشاركى سيجد آذاناً مُصغية وعقولاً واعية، وهمة عالية بغايات نبيلة، وأدوات معرفية ليست هزلية، فهذا هو مبلغ القصد، اللهم قد بلغت اللهم فاشهد.