فى الماضى كان الإلهام من المثل الأعلى كما فكر أفلاطون، أما العرب فاعتقدوا بوجود شياطين أو عفاريت تسكن وادى عبقر، حتى اشتهر قولهم "أصابه مس من وادى عبقر"، ومع شهرة شعراء الغزل تحول الإلهام إلى الحبيبة، فبتخيل صورتها يظهر أجود الشعر.
ومن هنا صورتنا الخيالية عنه، لكن مع ظهور أنواع مختلفة من الإبداع تحول شكل وطبيعة الإلهام، حيث مارست الخبرة والتخطيط أدوارا نافسته، وهنا تحولت الكتابة الإبداعية إلى جزئين كبيرين، إما كتابه شعرية وبالتالى وجدانية تعتمد على تجربة مشاعر متدفقة، أو كتابة قصصية وروائية تعتمد على القراءة والمعايشة والخبرة بالأساليب المختلفة للسرد.
وهذا ليس تقليل من الشعر والشعراء، لكنه تميز لنوع الكتابة الإبداعية، وبالتالى تحول الإلهام إلى جزئين كبيرين، إما استخدام التجربة الحياتية أو استخدام التخيل، ولعل أبرز أمثلة النوع الأول همنجواى وماركيز عالمياً، المازنى وتوفيق الحكيم عربيا، حيث تميز أسلوبهم الخاص بالحميمية والصدق الشديد، لكن من عيوب هذا الأسلوب محدوديته على تجارب الكاتب فحسب.
أما الأسلوب الثانى فهو إخفاء شخصية الكاتب واستخدام التخيل كأساس للكتابة فقط، بعد تجميع معلومات كافية عن الموضوع، ومن أمثلة كتاب ذلك النوع كونديرا، ديستوفسكى عالمياً، نجيب محفوظ ويوسف إدريس عربيا حيث الإلهام يكون من التأثر من مشكلة ما، وبالتالى يبدأ يعمل على تلك الفكرة فيبدأ فى تجميع معلومات كافية عنها، لدرجة تحوله إلى متخصص فى تلك الجزئية، ومن عيوب هذا النوع عدم وجود حميمية التجربة الحياتية.
وبالتالى الأفكار العامة عن الكتابة أنها الهام فقط إما من حبيبة أو من موقف شاعرى رومانسى فهى أفكار خاطئة بنسبة كبيرة، فعندما تحاول كتابة إبداع فأنت تحتاج إلى بحث كامل حول هذا الشئ، ولنضرب مثالاً على هذا، فعندما نحاول الكتابة عن رواية عن العبور العظيم لقناة السويس لا يكون أمامك إلا قراءة ومشاهدة كل ما كتب عن تلك الحرب ثم جدولة تلك المعلومات وتصنيفها، ومع بداية عملك تظهر الشخصيات ومع ازدياد المعلومات تتعمق الشخصيات أكثر بأبعادها الثلاثة الجسدية والاجتماعية والنفسية لتظهر أكثر وتبدأ الكتابة مع انتهاء مرحلة البحث.
هذا الفصل بين الأساليب قد يكون نظريا فقط على مائدة البحث، لكن الكاتب الحديث يستخدم كل الأساليب ويجربها للوصول دائما إلى اشكال ومستويات مختلفة من الإبداع.