فى هذا المقال نعرض الاتهامات الموجهة إلى الموقوفين، والتى تتضمن الاعتداء على المال العام، وغسيل الأموال، والرشاوى -كما هو حادث فى قضية صفقة أسلحة اليمامة الشهيرة- وتجاوزات ملف سيول جدة والتحقيق فى قضية وباء «كورونا»، وغير ذلك من القضايا الهامة والخطيرة.
ووفقاً للمعلومات، فقد تم احتجاز كافة هذه الشخصيات فى داخل أحد الفنادق الشهيرة فى الرياض، لاتخاذ إجراءات التحقيق معها، وإصدار القرارات المتعلقة بنتائج التحقيقات.
وتتوقع المصادر اتخاذ إجراءات حاسمة ضد كل من يثبت تورطه فى هذه الاتهامات، خاصة أن اللجنة لديها صلاحية الحبس والمصادرة والإحالة للمحاكمة، ولذلك لا يتوجب الحكم مبكراً بتوجيه الإدانة لأى من المتهمين، باعتبار أن اللجنة المكلفة لم تنته من أعمالها بعد ولم تصدر قراراتها بالإحالة وصدور الأحكام.
إن أى متابع للأحداث فى المملكة يتوقف أمام عدد من الأمور المهمة:
- أن هناك تغييرات جذرية ودراماتيكية تشهدها المملكة العربية السعودية فى الوقت الراهن تطال كافة مناحى الحياة الاجتماعية والاقتصادية والسياسية، وتحديداً منذ تولى الأمير محمد بن سلمان ولاية العهد فى البلاد.
- أن القرارات المتعلقة بالتغييرات الاجتماعية، مثل حق المرأة فى قيادة السيارات وممارسة الرياضة فى النوادى وغيرها، لا يمكن فصلها عن السياق العام الذى يهدف إلى تحديث المملكة والخروج عن النمط المألوف الذى كان يعطى المرجعية الأساس فى مثل هذه القرارات لجماعة الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر التى تضاءل نفوذها وسطوتها فى الوقت الراهن.
- أن التخلى عن سياسة الاعتماد على «النفط» فقط بدأت ملامحها تتجسد فى استراتيجية 2030 التى تبناها الأمير محمد بن سلمان وسعى إلى تسويقها جماهيرياً ودولياً، وهى الاستراتيجية التى أعلنت عن بناء مدن اقتصادية وترفيهية وسياحية وإعادة هيكلة القطاعات الحكومية وخطط الخصخصة وتبنِّى المشروعات الإنتاجية العملاقة، وإدارة السياسة النفطية بفاعلية تحقق العائد المنتظر، وهو ما ساعد على استقرار أسعار النفط خلال الآونة الأخيرة.
- أن القرارات الأخيرة تعنى أننا أمام شكل جديد للحكم فى البلاد، أو هى بمثابة ثورة داخلية تعنى أننا أمام واقع جديد، بغضّ النظر عن توصيفه من قبَل البعض، هذا الواقع قد يُغضب البعض، لكنه بالتأكيد يستنهض فئات اجتماعية جديدة فى المملكة لم تكن طرفاً فى صناعة القرار فى أوقات سابقة، وهذه الفئات سوف تدعم بالتأكيد هذا التوجه الجديد فى صورته العامة.
- أن الحديث عن صراع فى السلطة داخل الأسرة سوف يكون مادة يومية فى وسائل الإعلام الأجنبية والمعادية تحديداً، ليس بهدف الحرص على الاستقرار، وإنما بهدف تأجيج الصراع، خاصة أن المملكة تواجه حالياً حرباً شرسة من قبَل العديد من الجهات والمنظمات الدولية، بهدف إثارة الفوضى على أراضيها، وتقويض كيان الدولة، خاصة أن جهات عديدة يقلقها هذا التوجه الداخلى، ويرون أن الفرصة باتت سانحة للتحريض ضد المملكة، وتأجيج الصراعات داخل الأسرة الحاكمة.
- من الواضح أن التغييرات السياسية التى شهدتها المملكة فى الفترة الماضية، والتى ثبّتت من مواقف الأمير محمد بن سلمان، ودعمت نفوذه داخل السلطة، سوف يكون لها تأثيرها الإيجابى فى إطار صلاحياته الموسعة داخل اللجنة العليا التى عهد إليها بمكافحة الفساد واتخاذ الإجراءات القانونية فى الوقف والمصادرة والحبس والإحالة للمحاكمة.
- أن هذا التوجه الجذرى على صعيد الداخل لا يمكن فصله عن التوجه الجديد للسياسة الخارجية السعودية باتجاه الشرق، وبما يحقق التوازن فى هذه العلاقة بما يخدم مصالح المملكة، وهنا تجب الإشارة إلى زيارة خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز إلى موسكو وما تعنيه من دلالات، فى مواجهة السياسة الأمريكية المتعجرفة تجاه المملكة، والتى كان آخرها الوقوف خلف القرارات التى تُحمل التحالف العربى، والمملكة فى القلب منه، المسئولية عن موت مئات الأطفال فى اليمن، دون النظر إلى تقرير منظمة حقوق الإنسان اليمنية، التى حمّلت الحوثيين المسئولية عن كثير من هذه الأحداث، ناهيك عن قانون «جاستا» وغيره من المواقف والقرارات التى اعتبرتها المملكة معادية لها، وتهدف إلى ابتزازها ومحاولة النيل من توجهاتها.
- من الواضح أن هناك دعماً خليجياً لهذه القرارات، ظهر ذلك فى البيانات الأولى التى صدرت عن الإمارات والبحرين، والاتصالات التى جرت بين عدد من القادة العرب والأمير محمد بن سلمان، والتى أكدوا خلالها دعمهم للمملكة فى حرصها على أمنها واستقرارها.
بقى القول أخيراً: إن مملكة اليوم هى غير مملكة الأمس، وإن الواقع غير الواقع، والتوجهات التى ظلت تحكم المملكة لعقود طويلة من الزمن لم تعد هى الحاكمة الآن، ومن الواضح أن القطار قد انطلق بسرعة فائقة للوصول إلى آخر محطاته فى وقت أقرب مما يظن الكثيرون!!