تلقى الرأى العام صدمة الأخبار التى تم تداولها حول الحادث الأليم الذى أدى إلى استشهاد 16 من الضباط والجنود وإصابة 15 آخرين وأسر أحد السادة الضباط، لا سيما أنهم من القوات الخاصة الأعلى تدريباً وتخصصاً فى التعامل مع التنظيمات الإرهابية المسلحة، وزاد من هول الصدمة ما صاحب هذا من حرب إعلامية بتداول أنباء عن ارتفاع أرقام الضحايا إلى 55 وأسر عدد آخر، أدى تأخر إصدار وزارة الداخلية لبيان بالحادث إلى تصديق الكثير لهذه الأنباء، لا سيما أن بعض الوكالات ذات المصداقية تناولت هذه الأخبار مثل وكالة رويترز وإذاعة وتليفزيون الـ«بى بى سى»، فضلاً عن بعض القنوات المصرية المحسوبة على الحكومة والجهات الرسمية، المؤكد أن غياب المعلومات الرسمية وتأخرها من قبَل الحكومة أثر تأثيراً بالغاً فى سيادة هذه الأنباء وتبنى الكثير من المحللين لها استناداً على ما روجه الإرهاب من معلومات غير حقيقية كان هدفها التأثير على الرأى العام ومعنوياته ومحاولة الإقناع بتفوقه على القوات النظامية.
وقد كشفت هذه الحادثة عن أداة أخرى للإرهاب يستخدمها فى تحقيق أهدافه وهى الحرب المعنوية والتأثير فى الرأى العام بقدراته وإمكانياته، ما يفقد الثقة فى المؤسسات الرسمية والقوات ورجال الشرطة التى مهمتها تحقيق الحماية وتوفير الأمن للمواطنين، فإذا فشلت هذه القوات فى حماية قواتها وسهولة استهدافهم وفى منطقة لا تبعد كثيراً عن العاصمة فإنها تحقق جزءاً مهماً من أهدافهم.
منذ تصاعدت الأعمال الإرهابية فى مصر فى سيناء وداخل المحافظات المختلفة، وآخرها حادث الواحات، تلاحظ حرص المنظمات الإرهابية على استخدام وسائل التواصل الاجتماعى فى إذاعة فيديوهات بالعمليات ونشر بيانات ومعلومات يتم تداولها، ما يؤكد أن الهدف ليس فقط تنفيذ عمليات محددة وإنما أن يكون لهذه العمليات تأثيرها فى الرأى العام واستهداف قدرة الحكومة فى السيطرة على الأوضاع الأمنية وقدرتها فى حماية المواطنين.
ورغم تضمن قانون مكافحة الإرهاب أكثر من مادة لمكافحة الإرهاب المعنوى، فإن من الواضح الفشل الذريع لهذه المواد فى منع أو وقف قدرة التنظيمات الإرهابية على نشر تلك البيانات الزائفة، فتنص المادة 29 على عقوبة السجن المشدد لمدة لا تقل عن 5 سنوات لكل من أنشأ أو استخدم موقعاً إلكترونياً بغرض الترويج للأفكار أو المعتقدات الداعية إلى ارتكاب أعمال إرهابية، كذلك نصت المادة 35 من ذات القانون على أن يعاقب بغرامة لا تقل عن 200 ألف جنيه ولا تتجاوز 500 ألف جنيه كل من تعمد بأى وسيلة كانت نشر أو إذاعة أو عرض أو ترويج أخبار أو بيانات غير حقيقية عن أعمال إرهابية وقعت داخل البلاد أو الأعمال المرتبطة بمكافحتها بما يخالف البيانات الرسمية الصادرة عن وزارة الدفاع.
هذه القوانين فشلت لسبب أساسى أنه لا يمكن أن تترك المواطنين دون بيانات حقيقية تصدر بحقيقة ما حدث ودون أن يكون لدينا قانون ينظم تداول المعلومات، ففى هذا العصر لا يجوز تبنى تشريعات على منع الصحفيين من تداول البيانات والمعلومات التى تشكل حجر الزاوية فى عمل الصحفى والإعلامى لتحقيق السبق فى نشر المعلومات والبيانات، فهذه هى مهمته، لا سيما أن القانون يحمى الصحفى من الإفصاح عن مصادره، ولا يمكن استمرار تشريعات تقوم على المنع ومعاقبة تداول المعلومات إلى حين ضبط الصياغة فى منع المواقع الإرهابية التى تدعو لارتكاب أعمال عنف أو تروج للعمليات الإرهابية، أما تناول الأخبار فيجب أن تتبنى الدولة سياسة تقوم على الشفافية وسرعة إصدار بيانات أولاً بأول بحقيقة ما يحدث، والتأكيد على المهنية فى تناول الأخبار والمعلومات بضرورة الحصول على تعليق وبيانات من الجهات الرسمية تعليقاً على أى بيان وأخبار تتداول من مصادر غير رسمية، فالحرب على الإرهاب ليست فقط المواجهات الأمنية وإنما الساحة الإعلامية أصبحت تستخدم من قبَل التنظيمات الإرهابية وتستعين الآن بمحترفين فى إخراج الفيديوهات وصياغة الأخبار بشأن عملياتهم للتأثير فى الرأى العام بما يخدم مخططاتهم وأهدافهم.