الدقهلية: مدارس تحت سطوة «السلاح الأبيض».. والالتحاق بها «عشان الشهادة بس»
مدارس التعليم الفنى فى الدقهلية بلا طلبة
يلتحق معظم طلاب التعليم الفنى فى محافظة الدقهلية بالمدارس مرغمين لأن مجموع درجاتهم فى الإعدادية لم يؤهلهم إلى التعليم الثانوى العام، فى ظل افتقاد التعليم الفنى «صناعى - زراعى - فندقى» إلى عناصر الجذب لتشكيل مستقبل الطالب الذى يتخرج منه ليجد نفسه فى الشارع فريسة للبطالة وتطول رحلته فى البحث عن وظيفة أو أى عمل يضمن منه مصدر دخل ثابتاً بعيداً عما تعلمه خلال سنوات دراسته.
ويعانى التعليم الفنى فى المحافظة بصفة خاصة من الإهمال وعدم الانضباط، بالإضافة لقلة الإقبال عليه من طلاب المرحلة الإعدادية، حيث يتعامل المسئولون عن التعليم مع مدارس التعليم الفنى على أنه تعليم من الدرجة الثانية والملجأ الوحيد للطلاب الفاشلين فى المرحلة الإعدادية، كما ينظر له الطلاب نظرة دونية لأنه نهاية التعليم بالنسبة لهم بعدما قررت الدولة عدم منحهم فرصة الالتحاق بالجامعة، وتحولت معظم المدارس الفنية بالمحافظة إلى مأوى للبلطجية والخارجين على القانون، حتى الطلاب الأسوياء ينحرفون داخل المدارس لمجاراة المنحرفين.
«عبدالباسط»: اتهام الطلبة بالفشل سبب نزعة العنف.. ومدرسو النجارة بـ «أجا»: «المديرية نصبت علينا».. و«وليد»: «حصص العملى بنقضيها لعب وتهريج»
وخلال الشهر الأخير شهدت عدة مدارس بالمحافظة حوادث دموية استخدم خلالها الطلاب الأسلحة البيضاء، ففى مدرسة الصلاحات الثانوية الصناعية بمركز بنى عبيد قام 3 طلاب بتمزيق جسد زميلهم بالأسلحة البيضاء بدون سبب بعدما قرر الطلاب من قرية الصلاحات تأديب طلبة بنى عبيد الذين يحضرون لمدرستهم وكان الضحية الطالب أشرف حمدى بالصف الثالث الثانوى الصناعى الذى احتاج 55 غرزة لإنقاذ حياته وقررت النيابة حبس الطلاب الثلاثة على ذمة التحقيقات، وفى مدرسة دكرنس الزراعية اعتدى طالب بالصف الأول بالمدرسة على مدرس المحاصيل الزراعية بـ«مطواة» داخل المدرسة مما تسبب فى إصابته بجرح قطعى بالوجه استلزم 3 غرز طبية، أثناء اليوم الدراسى، وتحرر محضر بالواقعة، وقررت النيابة حبس الطالب، وشهدت مدرسة الشهيد محمود أحمد الثانوية الصناعية بمركز السنبلاوين قيام طالب بكسر قدم مدرس بعد أن حاول منعه من الغش أثناء الامتحانات، حيث قال المدرس محسن متولى «الطالب لا يعرف القراءة ولا الكتابة وحضر الامتحان معه بعض الأوراق للغش فمنعته وبعد انتهاء الامتحان فوجئت بالطالب يلاحقنى على سلالم المدرسة ويعتدى علىّ بالضرب والركل ودفعنى على سلم المدرسة فانكسرت قدمى».
ويرجع خبراء التعليم السبب وراء تدنى مستوى الطلاب بمدارس التعليم الفنى إلى عدم اهتمام الدولة به والنظر له من قبل المجتمع نظرة دونية، حتى الطالب نفسه يرى أنه نهاية كل أحلامه وطموحاته فى التعليم، وأنه مجرد شهادة يحصل عليها لكنه يفكر فى عمل آخر بخلاف ما يدرسه فى المدرسة، وخاصة قيادة «التوك توك» أو «سائق»، أما المهن الفنية فلا يلجأ لها إلا القليل منهم.
وقال محمد عبدالباسط، مدرس ثانوى فنى على المعاش، إن أهم مشاكل التعليم الفنى هى النظرة المجتمعية لطلاب التعليم الفنى، حيث يتغافل البعض عن دور التعليم الفنى فى تعزيز البنية الأساسية للمجتمع وأصبح ينظر إليه دائماً على أنه طالب فاشل لم يصل إلى الثانوية العامة، مضيفاً أن من المشكلات التى تواجه التعليم الفنى أخلاقيات الطلاب التى أسفرت عن تعدى بعضهم على المعلمين داخل وخارج أسوار المدرسة، بالإضافة إلى قيام المعلمين بالتحكم فيهم بالدروس الخصوصية.
3 حوادث دموية فى المدارس خلال شهر واحد.. وأحد الضحايا احتاج إلى 55 غرزة لإنقاذ حياته.. ومدرس تعرض للطعن بـ«مطواة»
وأوضح أن عدم تطبيق قوانين التعليم أدى إلى قصور فى نسب الغياب والحضور، لأنه من المفترض أن يكون هناك عقاب رادع لمنع الغياب، لأن الامتناع عن حضور 75% من العملى يحرم الطالب من دخول الامتحان، مشدداً على ضرورة التفريق بين مدرسى العملى والنظرى داخل مدارس التعليم الفنى فكل منهم له دور وحقوق، مشيراً إلى أن تقادم الأجهزة والمعدات الموجودة بالمعامل والورش بالمدارس وتلفها مع صعوبة التخلص منها وراء عدم الاهتمام بحصص العملى التى كان من المفترض أن تخرج طالباً مدرباً جيداً يستفاد منه فى سوق العمل، مما زاد من الفجوة بين مخرجات التعليم الفنى واحتياجات سوق العمل بسبب عدم ارتباط منظومة المنهج ببعضها، وضعف التنسيق والتكامل بين قطاع التعليم الفنى بالوزارة والوزارات المعنية ذات الصلة بالتعليم الفنى فى مجال التدريب، كما قتلت النظرة المجتمعية لطلاب ومنظومة التعليم الفنى ما تبقى من أهمية له، فنظرة المجتمع المتدنية للتعليم الفنى وطلابه أفقدته أهميته كأحد أهم عناصر التطوير فى المجتمع المصرى.
وتقدم عدد من مدرسى «النجارة» فى مدرسة أجا الفنية الصناعية، بشكوى إلى النيابة الإدارية تطالب مديرية التربية والتعليم بصرف مستحقاتهم عن تصنيع مقاعد للطلاب، وقال أحد المدرسين: «عندما قررنا أن نكون منتجين ونعتمد على أنفسنا فى تصنيع المقاعد، بدأنا فى شراء الأخشاب والمعدات وشجعنا الطلاب أن يعملوا معنا، ولكن صدر قرار تعويم الجنيه فحدثت قفزة فى الأسعار واختلفت عما اتفقنا عليه مع المديرية، وعندما اشتكينا قالوا: اشتغلوا وكملوا شغلكم وإحنا هنعوضكم، وسلمنا المقاعد منذ سنة ولم نتقاض فروق الأسعار التى تزيد على 30 ألف جنيه».
وأكد وليد السعيد، طالب بالصف الثالث الثانوى بمدرسة أبوالنجا الصناعية، أن المواد الدراسية بعيدة كل البعد عن سوق العمل ولا يوجد أى التزام بحصص العملى رغم أنها أساس التعليم الفنى بخلاف النظرة الدونية من المدرسين لطلاب التعليم الفنى والتى تجبر الطالب على إساءة التصرف قائلاً «حصص العملى بنقضيها فى اللعب والتهريج ولا نتعلم منها أى حرفة أو صنعة حقيقية، والمدرسون دائماً ينظرون لطالب التعليم الفنى على أنه فاشل».
ونوهت أسماء حسين، بمدرسة الثانوية الزخرفية بنات بالمنصورة، بسوء حالة المناهج وعدم خبرة المدرسين، مضيفة «المدرسون بالمدرسة يعلموننا بأساليب قديمة ولا ترقى لسوق العمل، وإذا حاولنا زيادة مهارتنا يكون الرد: انتو مش ثانوية عامة اتعلموا اللى هييجى لكم فى الامتحانات وبس».
وقال أحد المدرسين بالمدرسة الفنية المتقدمة بالمنصورة، رفض ذكر اسمه، إنه لا يوجد تعليم بالمدرسة ورغم وجود معدات ولكنها معدات قديمة، وكل مدرس يحافظ على عهدته ويخزنها خوفاً من إتلافها أثناء تدريب وتعليم الطلاب لأن الوزارة ستحيل حياة المدرس للجحيم إذا أتلف معدة واحدة»، مضيفاً «مستوى الطلاب بالمدارس الفنية لا يبشر بالخير حيث لا يأتى للتعليم الفنى سوى الطالب الفاشل أو المحبط الذى لم يجد مكانه بالثانوية العامة، فاضطر آسفاً أن يلتحق بالتعليم الفنى ويصب غضبه وإحباطه بالمحيطين به من زملائه أو مدرسيه».
من جانبه قال على عبدالرؤوف، وكيل وزارة التربية والتعليم بالمحافظة «لدينا مدارس فنية نموذجية يضرب بها المثل، سواء فى المعامل أو المدرسين، ولكننا همشنا دور المدارس بعاداتنا السيئة، وأنا خريج مدرسة فنية وعدد كبير من القيادات ولكن المشكلة فى إهمال البيت».
وتابع: لدينا «مشروع رأس المال» وهو وجود وحدات منتجة داخل تلك المدارس، ويتم عمل حساب ختامى لها فى 30 أكتوبر كل عام، وتنتج مواد غذائية ومنتجات ألبان وفاكهة وأيضاً مقاعد للطلاب حتى إننا اقتربنا من الاعتماد الذاتى من «التخت» ولكن المشكلة أن أغلب مدارسنا مشتركة.