في شهر مايو من عام 2025، جائني اتصال هاتفي من مدير مركز مجدي يعقوب للقلب في أسوان، يطلب مني رقم الطبيب المصري ريمون فريد المقيم في أستراليا، أبلغني مدير المركز أنهم يريدون التواصل معه للاستعانة به في المركز نظرًا للأبحاث التي وصل إليها في مجال جراحة القلب، والتي قام بنشرها في عدد من الدوريات العلمية الكبرى في العالم، وأنهم يتابعونه منذ أكثر من عام، كانت فرحة كبيرة بالنسبة لي.
قبل ذلك التاريخ بـ9 سنوات، تحديدًا في ليلة 23 يونيو 2016، بعثت رسالة إلى صديقي منذ الطفولة الطبيب ريمون فريد، المسافر حديثًا منذ شهرين إلى أستراليا للانتهاء من امتحان مزاولة المهنة هناك والانتقال للعيش هناك مع أخيه المهندس ميخائيل، في بلدًا تحترم الأطباء والمرضى مثل بلادًا كثيرة غير بلادنا.
بعد السؤال عن أحواله والاستعداد للامتحان الذي سافر من أجله، وسألته عن عمله الآن خلال الفترة الموجود فيها هناك، كانت الإجابة صادمة بالنسبة لي: "ربنا كبير قوي يا صاحبي.. بيحصل معايا معجزات.. تخيل العيادة اللي بمسحها قدمولي عرض لوظيفة"، فقولت له : "أنت قولتي العيادة اللي بتعمل فيها ايه!!"، واستطرد في حديثه: "أنا بشتغل cleaner.. بنزل بالليل امسح حمامات علشان أصرف على نفسي".
في لحظة كانت هي الأصعب أن يروي لك صديقك، الذي تعلم يقينًا أن لديه مستقبل كبير في مجال الطب، حاول هو أن يخفف قسوة ما سمعت، فقال: "مديرة الشغل لما شفتني لأول مرة سألتني أنت مين، وعرفتها بنفسي، واتبسطت إني مش مضايق من عملي رغم أني طبيب، وعرضت عليا إني أدرب في المركز الصبح وأمسحه بالليل، ومش هتقول لحد عشان شكلي قدامهم، وكانت على وعدها، وعرضت عليا وظيفة ممارس عام، بمجرد ما أنجح في امتحان مزاولة المهنة".
سكت قليلًا ثم عاد يتحدث قائلًا: "أنا لما قالولي مفيش شغل غير تشتغل عامل نظافة قولت ليهم مش مشكلة، اشتغل أي حاجة وكنت راضي ومش مضايق، وواثق إن ربنا راسم ليا خطة وأي حاجة هاتحط فيها وهقبلها وأرضى والحمدلله ظني مخيبش".
الإيمان واليقين المصاحبين لـ"ريمون" سبب رئيسي في نجاحه، حتى يصل إلى هذه المكانة، ها هي الفرصة آتت يا رفيقي وطنك الذي تركته وقلبك يغضب منه وعليه، يناديك أن تعود إليه في واحدة من أجمل بقاع الأرض، تعود إلى مساندة من أمنت دومًا أنهم الأحق بالرعاية، تعود إلى تحقيق الحلم الذي دار في ذهنك ليالي طويلة وشهور عقب ثورة كنت جزء منها، أمنت ودافعت عنها، تمنيت وقتها أن ترى مصر كما تتمنى، أجمل بلاد الدنيا وأكثرها رعاية لمواطنيها في الصحة والتعليم والعدالة الاجتماعية وإرساء العدل وقيم الحق.
أكتب عنك اليوم، ليس فقط لأنني وعدتك بأنني سأكتب عنك في يوم من الأيام، لكنني أكتب عنك لأعطيك ما تستحق، فأنت تستحق الكثير، ويمكن لأنني افتقد وجودك، ضحكاتك المجنونة وليالي التسكع في شوارع وسط القاهرة بين المقاهي والمطاعم وحضور المسرح والأوبرا، نعم يا صديقي "فيها حاجة حلوة" لأنها تمتلك كثيرًا مثلك، يمتلكون الإصرار على النجاح، ورسم ابتسامة كبيرة على وجوه من يحبون.
أعلم جيدًا أن الطريق لن يكون سهلًا، فهو لم يكن كذلك منذ البداية، لكنك تستطيع بإيمانك ويقينك أن تعبر صعوبات كثيرة، لن يكون ما حققته في يوم 5 ديسمبر الماضي هو النجاح الأخير، بل هو البداية لنجاحات كثيرة، ستجعل كل من يحبك أكثر فخرًا بك، وأنا أعلم أن أول هؤلاء هي روحك التي ترافقك الآن رحلتك حتى العودة قريبًا، جميع من يحبونك، يتمنون نجاحك كما يتمنون عودتك مرة أخرى إلى وطنك، وقتها ستكون العودة الأخيرة المليئة بكثير من الانتصارات المتتالية.