انتفضت الأمة بعد القرار السافر الصادر من الرئيس الأمريكى دونالد ترامب، بنقل السفارة الأمريكية إلى القدس، وتمثَّل رد الفعل فى غضب واستنكار، وأعلن الأزهر والكنيسة رفضهما مقابلة نائب الرئيس الأمريكى، وقامت دعوات لزيادة الدعم المادى للفلسطينيين، وشهدت الجامعات المصرية مظاهرات قادها رؤساء الجامعات حفلت بالآلاف من الطلاب للتنديد بالقرار، وكل هذه الأشياء حلول ناعمة تسهم فى نفور الناس من أمريكا وقرارها الجائر، لكن هناك حلولاً خشنة، مثل قطع العلاقات، وإغلاق السفارات، وهى حلول ليست بالسهلة، ولها حسابات معقدة، لكن من أهم الحلول الخشنة المؤثرة زيارة المسجد الأقصى والقدس، بعد سنوات من المقاطعة لم نجن منها إلا غربة عن المكان، حتى صار مرتعاً للإسرائيليين، وصرنا نحن الغرباء تحت مسمى أن الزيارة من التطبيع، مع أن الزيارة ليست تطبيعاً، بل عمل مهم لخدمة القضية الفلسطينية، ولا تتم عبر ختم جواز السفر من إسرائيل، بل ختمه من السلطات الأردنية، ومع ذلك فالكثيرون يصرون على التمادى فى الخطأ التاريخى ويعتبرون الزيارة تفتح الباب للتطبيع، وتسلِّم فى الباطن بالاحتلال الإسرائيلى.
إن المقاطعة المريرة للمقدسيين على مدى أكثر من 40 عاماً أوصلتنا لنتائج مخزية، ففى بحث للدكتور «حسن خاطر» كشف عن أن نسبة السكان فى 1967م كانت (4) فلسطينى مقابل (1) إسرائيلى، وبعد أكثر من 40 سنة من مقاطعتنا للقدس صار عدد الإسرائيليين (4) مقابل (1) فلسطينى، ونسبة نزوح الفلسطينيين من القدس وصلت إلى 50%، وتعدت نسبة الفقر 70%، وصار الإسرائيليون يعرضون شراء الأراضى الواقعة حول المسجد الأقصى بعشرة أضعاف ثمنها الحقيقى.
ووفقاً لإحصائيات أخرى فإن إسرائيل تجبى ما نسبته 35% من ميزانية بلدية الاحتلال من السكان المقدسيين فى القدس الشرقية المحتلة فيما يعرف بضرائب «الأرنونا»، لكن ذات الإحصائيات تشير إلى أن بلدية الاحتلال تنفق ما نسبته 5% فقط على القدس وسكانها، فى حين تخصص 30% من هذه الأموال لتنفيذ مشاريع عديدة فى المستوطنات، ولتعزيز الوجود الاستيطانى اليهودى فى القدس المحتلة، وبالتالى فإن مد اليد إلى المقدسيين المرابطين أمر فى غاية الأهمية، وهو يختلف تماماً عن التطبيع مع العدو الصهيونى، فالتطبيع مرفوض من الجميع.
لقد جربنا مقاطعة المسجد الأقصى فزاد التهويد، ووصلنا لخطوة نقل السفارة الأمريكية للقدس، وطوال سنوات المقاطعة نقلت إسرائيل إلى القدس هيئات ومصالح، واشترت بيوتاً وعقارات ومحلات، ونحن ما زلنا عند نقطة الصفر، وعند الموقف القديم حول مقاطعة زيارة المسجد الأقصى، ناهيك عن أن الزيارة دعا إليها النبى الكريم -صلى الله عليه وسلم- والحديث عن التوقف عن زيارة القدس والمسجد الأقصى حتى يتم تحريرها من الجيش المحتل هو ضرب من الخيال.
لنأخذ حائط البراق كمثال، وهو من أشهر معالم القدس، لأنه الحائط الذى قام الرسول الكريم بربط البراق فيه ليلة الإسراء والمعراج، ويسميه اليهود حائط المبكى، لأنه الباقى من هيكل سليمان من وجهة نظرهم، وفى أيام الدولة العثمانية سمح العثمانيون لليهود الموجودين فى القدس بأداء بعض الطقوس الدينية أمام الحائط ولكنها منعتهم من وضع المقاعد أمام الحائط واتخاذه مصلى دائماً لليهود.
ولكن صار الحائط اليوم مزاراً لليهود، وقام بزيارته داعمون لليهود من لاعبين وفنانين وسياسيين ودبلوماسيين ورؤساء، فى الوقت الذى امتنعنا نحن فيه عن زيارته، ولأجل هذا ساد اعتقاد لدى بعض شبابنا بأن الحائط ملك لليهود، والسبب أننا لم نزاحمهم فيه، بعد أن كان نصفه لنا ونصفه لهم قبل 1929م، صار بعد هذا التاريخ لهم كله، لأننا ابتعدنا عن مزاحمتهم فيه وفى القدس عموماً تحت مسمى المقاطعة، لذا فإن زيارة القدس واجبة على كل قادر مسلم أو مسيحى.