نائب الرئيس الأمريكى «مايك بنس» مفترض أن يصل القاهرة الأربعاء المقبل فى زيارة بالنسبة لنا عنوانها «لا أهلاً ولا سهلاً يا بنس». ولولا قواعد العلاقات الرسمية بين الدول لطالبنا الرئيس عبدالفتاح السيسى بإلغاء الزيارة التى سترسخ منطقاً خطيراً فى مصر والمنطقة.
المسألة ليست مبارزة فى الشجاعة ولا فى الشعارات «الحنجورى»، كما يحلو للبعض تصوير الأمور، وإنما هى مواقف وسياسات ممكنة للتعامل مع الأوضاع الإقليمية والدولية والمصالح الوطنية.
«بنس» خطط لزيارته بمناقشة ما سماه «الأقليات» القبطية فى المنطقة ومنها مصر، وما اعتبره حقوقاً «مهدرة»، وما تقول الإدارة هناك إنها «قيود» على ممارسة الأقباط لشعائرهم الدينية.
أمريكا نصبت من نفسها حارساً على ما تصفه بـ«حقوق الأقليات» القبطية فى الشرق الأوسط، وهى بذلك ترسخ مفهوم الأغلبيات والأقليات الدينية فى دول الإقليم، وتمنح نفسها حق التدخل فى شئون دول المنطقة والتعدى على سيادتها بانتقاد ما تعتبره هى أوضاعاً خاطئة.
الإدارة الأمريكية بذلك تمنح نفسها الحق فى فرض وصايتها على شعوب المنطقة وتقسيمها دينياً وإضفاء حمايتها على مجموعات ضد مجموعات، وهى بذلك تخالف مبدأ قالت به سفيرتها لدى الأمم المتحدة وهى تتحدث عن سياسة بلادها: «لا نحتاج أن تخبرنا بلدان أخرى ما هو الصواب وما هو الخطأ»، بينما هى تفعل ذلك بكل صفاقة.
لا مجال هنا للحديث عن وطنية المصريين التى تجمعهم مع اختلاف دياناتهم الإسلامية والمسيحية واليهودية، ولست فى مجال التغنِّى بحب الوطن لو تحدثنا عن وحدتنا الوطنية التى نجحت فى حماية هذا البلد طوال تاريخه.
نحن نعرف مشاكلنا أكثر من غيرنا، وكثيراً ما نقسو على بعضنا البعض بالنقد والتوصيف، لكننا أبداً ما اعتمدنا اتهامات الخيانة والعمالة قاعدة للتعامل الشعبى، لذلك فحديث الخارج عن أقليات أو حقوق مهدرة أو قيود وخلافه هو مجرد «هرتلات» تخفى وراءها أطماعاً استعمارية قديمة جديدة.
ما زالت لدينا ممارسات من هيئات رسمية تفرض تساؤلات جادة عن التزام المساواة بين المصريين، لكنها ليست فقط فى الدين وإنما فى أمور عديدة، وما زالت لدينا تحفظات غير مفهومة على تشريعات لو صدرت ستزيل الكثير من التساؤلات والمخاوف.
لكن ما تفعله أمريكا لا يساعد على حل هذه المشكلات، إنما هى تضع البذرة الأولى لحرب دينية يمكن إشعال فتيلها فى أى لحظة ببث الشكوك بين أبناء البلد الواحد وتشجيع طرف على الآخر، وهو ما يرفضه المصريون جميعاً ومن دون استثناء.
حين تتعامل أمريكا مع إسرائيل بمنطق الدولة اليهودية وتساعدها على تثبيت ذلك، ثم تضع بذور إشعال الفتن الدينية فى دول أخرى بالمنطقة بين مسلمين ومسيحيين، فإن الإدارة الأمريكية تجعل الصراع الدينى منهجاً وتشجع التطرف الدينى وتضع حجر أساس الحروب الدينية بالمنطقة بين الديانات الثلاث بتشجيع الانتماء على الأساس الدينى وليس الوطنى.
أتمنى أن أجد عند مطالعة البيان الرئاسى أن السيد الرئيس خلال لقائه مع «بنس»، إذا ما تم، قد قال له إننا «لا نحتاج أن تخبرنا بلدان أخرى ما هو الصواب وما هو الخطأ، ولا نقبل أن يتدخل أحد فى شئوننا»، وأن يذكّره برفض فضيلة الشيخ وقداسة البابا لقاءه وأن المصريين يستقبلونه بغير مبدأ «حللت أهلاً ونزلت سهلاً»، إنما بمبدأ «لا أهلاً ولا سهلاً يا بنس».