بنص الدستور، يتولى مجلس النواب سلطة التشريع، ويحق للسادة النواب التقدم بمقترحات بمشاريع قوانين، ولا أحد يحاجج فى هذا الحق، لكن هناك قيداً أساسياً على ممارسة هذا الحق وهو أن لا يخالف الدستور المصرى، وبشكل أساسى باب الحقوق والحريات، وكذلك أن لا يخالف المواثيق الدولية التى وقعت عليها مصر وأصبحت بموجب المادة 93 قانوناً داخلياً، فهناك سمو وعلو للمبادئ الدستورية ومبادئ حقوق الإنسان على القانون الداخلى.
نقول هذا بمناسبة تقدم نائب برلمانى بمشروع قانون لتعديل القانون رقم 396 لسنة 1956 بشأن تنظيم السجون، ويهدف المقترح إلى منع الزيارة عن السجناء المحكوم عليهم بتهم الإرهاب لمدة عامين على سند من القول إن الزيارة يمكن أن تؤدى إلى نقل معلومات بهدف منع العمليات الإرهابية، ليس هذا فقط بل نص المقترح على إيداع المحكوم عليه فى غرفة (حبس انفرادى) وحرمانه من الزيارات الاستثنائية التى تقررها مصلحة السجون فى المناسبات والأعياد، وبعد عامين من هذه الإجراءات يتم تسجيل الزيارات بالصوت والصورة.
وفى الحقيقة فإن هذا المشروع هو فى حد ذاته انتهاك جسيم للدستور المصرى، فالمادة 55 تنص على أن كل من يقبض عليه أو يحبس أو تقيد حريته تجب معاملته بما يحفظ عليه كرامته، ولا يجوز تعذيبه ولا إيذاؤه بدنياً أو معنوياً ولا يكون حجزه أو حبسه إلا فى أماكن مخصصة لذلك لائقة إنسانياً وصحياً، وأكدت المادة أن مخالفة شىء من ذلك جريمة يعاقب عليها القانون، كما تنص المادة 56 على أن السجون دار إصلاح وتأهيل، وهنا فإن الهدف من العقوبة إعادة تأهيل المتهم وإدماجه مرة أخرى فى المجتمع وليس لاستمراره فى إطار النشاط الإجرامى الذى دخل بسببه السجن، كما تنص المادة على أن تخضع السجون وأماكن الاحتجاز للإشراف القضائى، ويحظر فيها كل ما ينافى كرامة الإنسان أو يعرض صحته للخطر، وأكدت المادة فى الفقرة الأخيرة أن دور القانون هو إصلاح وتأهيل المحكوم عليهم، لا شك أن مقترح القانون المقدم لمجلس النواب إهدار للكرامة الإنسانية، ويشكل أحد أشكال التعذيب المعنوى للسجين ويعرض صحته النفسية للخطر، لا سيما إذا تم إيداعه فى الحبس الانفرادى ومنع من زيارة أهله وذويه الذين لهم الحق فى زيارته كوالد أو زوج أو أخ.
كما أن هذا المشروع يفتح الباب واسعاً لاتهام مصر بارتكاب جريمة التعذيب ضد المحبوسين والسجناء بدليل منع الزيارة عنهم وقطع اتصالهم بالعالم الخارجى، وهنا نذكر بالقواعد الدنيا لمعاملة السجناء التى اعتمدها المجلس الاقتصادى والاجتماعى مايو 1977، وقد جاءت الفقرة 37 تحت عنوان الاتصال بالعالم الخارجى «يسمح للسجين فى ظل الرقابة الضرورية الاتصال بأسرته وبذوى السمعة الحسنة من أصدقائه على فترات منتظمة بالمراسلة وبتلقى الزيارات على السواء»، كما نصت الفقرة 38 على حق السجناء الأجانب فى الاتصال بممثلين دبلوماسيين أو قناصل فى بلدهم.
إذاً الحق فى الزيارة والاتصال بالعالم الخارجى للسجين حق أصيل لا يجوز منعه، لكن بالطبع فى ظل الرقابة الضرورية التى تمنع أى تأثير على التحقيقات لو كان محبوساً احتياطياً أو نقل معلومات خطيرة لو كان محكوماً عليه وهى تتم وفقاً لتدابير محددة وتخضع لرقابة السلطة القضائية لكن منع الزيارة لمدة عامين وبنص قانون هو جريمة ويفتح الباب لاتهامات واسعة بارتكاب انتهاكات جسيمة داخل السجون المصرية ويشكل جريمة تعذيب وفقاً لتعريف جريمة التعذيب فى اتفاقية الأمم المتحدة لمنع التعذيب والممارسات الحاطة بالكرامة، وفى هذا تؤكد مجموعة المبادئ المتعلقة بحماية جميع الأشخاص الذين يتعرضون لأى شكل من أشكال الاحتجاز أو السجن التى اعتمدت فى عام 1988 على المبدأ 15: «لا يجوز حرمان الشخص المحتجز أو المسجون من الاتصال بالعالم الخارجى، خاصة أسرته أو محاميه لفترة تزيد على أيام».