الأستاذ المحترم عزالدين شكرى فشير، فلتسمح لى والقراء الأعزاء، أن أكتب رداً على مقالكم المنشور بجريدة «المصرى اليوم» فى يونيو 2017، خاصة أننى لم يحالفنى الحظ فى الاطلاع عليه فى حينه، وباعتبار علاقته مباشرة بالملف الذى أعمل عليه، على الأقل فى المجال البحثى وهو «ملف الإرهاب».
بداية استوقفنى عنوان مقالك، خاصة وأنت وضعته كرسالة لرئيس الجمهورية، ولا أخفيك أنى لم أرتح بداية لهذا الإسناد، فقد بدا لى كنوع من التكلف بغرض لفت الانتباه، فمضمون المقال يحمل رؤية متكاملة تخص الشطر الآخر من العنوان، الذى هو «نحن لا نقتل الأسرى»، فكان يمكن الاكتفاء بطرح وجهة نظرك، من دون مناشدة الرئيس التدخل، كما قدمت رسالتك بأنك لست من هواتها، لذلك لم أجده سوى اصطناع وانتقاص من قيمة المتن، الذى كان الأولى بجهدك وبالمساحة، لطرح أسانيده المقنعة، حيث غابت الأخيرة لصالح الحرص على إضفاء أهمية ما، باستحضار مقام المرسل إليه.
«الرسالة» التى يحملها المقال، والتى أصابها التشوش بمجرد صياغتها بهذا العنوان، وتورطت فيما بعد ذلك، هى باختصار أنك ممن يقفون ضد تطبيق «حكم الإعدام» القانونى، وهى قضية قديمة لها فريقان على المستوى الدولى، المؤيد والمعارض، ولكليهما أسانيده، وقابلة لطرح المزيد من وجهات النظر فيها، حيث ظلت حتى الآن محل خلاف، فنصت قوانين بعض الدول عليها كعقوبة لجرائم بعينها، ودول أخرى استبدلت بها الحبس مدى الحياة.
وكما بدا لى لم يكن دخولك بالمقال لتلك المساجلة، أو الطرح القانونى وفلسفة العقاب، هو هدف المقال، بل سحب تلك الأطروحة لمنطقة شائكة هى الجريمة الإرهابية، وهنا بدأ الخلط الذى لم يكن مبرراً على الإطلاق، إلا فى حال كنت أنت تقصد ما حدث بعده، فقد بدأته بتصنيف المجرم لنوعين، فى حين صنفه علم الإجرام والعقاب بعدد يتجاوز العشرة أنواع، وفى هذا العلم هناك مؤلف أكاديمى شهير، للدكتور «رؤوف عبيد» أستاذ القانون بجامعة عين شمس رحمه الله، درسناه وتدرسه كليات الحقوق فى مادة بهذا الاسم، مقررة على الصف الأول، وأدعو حضرتك لقراءته أو نظيره ممن بحث فى علم الإجرام والعقاب، لأنه عفواً سيجعل الأمثلة والتساؤلات التى جاءت فى هذا السياق، تبدو على قدر من الاستخفاف والتسطيح، فعندما تصور ما بنيته على ما هو غير موجود بالعلم أساساً، كون الدولة عندما تطبق أحكام القانون، فإنها بذلك «تنزلق» لممارسة الفعل «القتل»، الذى تكافحه باسم قوانين هى التى شرعتها لنفسها!
مع العلم بأن هذا القانون لا يغفل مطلقاً كافة حقوق المتهم، ولا تصير إدانته إلا بعد نسق منضبط، على الأقل ليحقق لآلاف من القضاة ليس فى مصر وحدها بل على منصات العالم المختلفة، ما يسمى بـ«أنه قد وقر فى ضمير المحكمة»، قبل نطقهم بعشرات الآلاف من أحكام الإعدام المستحقة.
أظن وفق هذا النسق غير المتماسك، جاء المنزلق الآخر باعتبار المتهم أسيراً فى قبضة الدولة، ومن بداية المقال وحتى نهايته لا أظنه يتناول سوى الجريمة الإرهابية، لذلك وفى محاولة لصناعة مكونات لمشهد درامى «غير واقعى»، أفترض أن هناك أهالى للضحايا يصرخون فى وجه الدولة لقتل هؤلاء الإرهابيين، وأن الدولة تضطر للاستجابة لتسكين الخواطر فقط، بل وربما لتمارس فعل الانتقام، وعليها أن تترفع عن ذلك وفق وجهة النظر الذى يحملها المقال.
وهنا دخل المقال فى زاوية ضيقة للغاية، تاركاً رحابة مناقشة جدارة «عقوبة الإعدام» إلى ظلام إلباس جريمة الإرهاب ما ليس فيها، وهذا جعل الطرح يتخبط، تارة فى إلقاء تبعة المشهد برمته على رئيس الجمهورية، وفى أخرى خلع كل مفردات الثقة عن النظام القضائى، الذى وضع حتمية وقوعه فى أخطاء، مع متلازمة عدم تمكنه من فرز أو التثبت فيما يحكم فيه، ليصير القضاة والنظام القضائى برمته وبقوانينه، هو الفاعل الرئيسى للورطة «الفادحة» التى سيقع فيها الجميع، ولهذا جاءت سطور المقال كمناشدة للرئيس، للتدخل السريع لإنقاذ نفسه، والمجتمع، والدولة، والقضاة، من هذا المأزق «الاصطناعى»!
والحقيقه أن المقال لم يقع عفواً فى هذا الفخ الاصطناعى، بل بدا وكأنه يضع فى سطوره تلك المكونات الواحدة بجوار الأخرى، لتكتمل صورة ليست منقوصة، بقدر ما هى مزيفة فى الكثير من جوانبها، فوفق مقاربة أسير الحرب مع الإرهابى؛ لا أتوقع عدم اطلاعك ولك خلفية «عمل دبلوماسى»، على تقارير أو معلومات، تربط النشاط الإرهابى والإرهابيين بأجهزة الاستخبارات للدول، حيث تتولى التمويل والتسليح والتوجيه لارتكاب نشاط إرهابى مسلح، وهذا ليس سراً على الإطلاق، بل أصبح اليوم متداولاً فى كتب مذكرات السياسيين ورجال الاستخبارات السابقين، الذين تحدثوا بأريحية عن التنظيمات التى كانت تعمل لحسابهم، وماذا نفذوا ومن دفع لتمويلهم، خاصة وهذا النشاط المكلف يلزمه ملايين الدولارات، لذلك لو اعتبرنا المقاربة واجبة، فالأقرب أن تكون الجريمة الإرهابية تماسها المباشر مع الجاسوسية والخيانة، بحقيقة تلقى الإرهابيين لـ«أموال» و«مهام» من دولة، للتنفيذ فى دولة أخرى، وفى أروقة الدبلوماسية الأنيقة، أصبح اليوم مع تغول الظاهرة وتعظيم إمكانيات الإرهابيين، يطلق عليها اختصاراً اصطلاح «حروب الوكالة»، استناداً إلى أنها تدور بين الدول بعضها البعض، واختزال هذا الجزء الرئيسى من معادلة المقال المطروحة، هو الذى يدفع لاستخدام فعل «تزييف» الطرح، بالنظر إلى أن رئيس الدولة وأجهزتها الاستخبارية والأمنية ومنظومتها القضائية، يضعون فى صلب مهمة عملهم أن يجابهوا تلك الأخطار حفاظاً على أمن دولتهم ومواطنيهم.
عزيزى الكاتب المحترم شكرى فشير؛ ما دفعنى حقاً لهذا الرد هو حضور طرحكم للقضية الشائكة، لدى شريحة من المتابعين وقلة من الرأى العام، ليس فيما يخص عقوبة الإعدام كنص قانونى، ولكن فى النظر ومتابعة الجرائم الإرهابية، والتفاعل الواقعى مع أمن وسلامة الوطن، حيث يظل طوال الوقت مراوغاً سهلاً استخدامه وتبديل أقنعته، فيمكن مرة استخدامه للنيل من سمعة الأمن أو طعن نزاهة النظام القضائى وتصويرهما كتابعين، ومرات يكون الأمن ضحية، فى الوقت الذى يراد تطويعه للهجوم على النظام السياسى، وغيرها من الأقنعة التى للغرابة دوماً يغيب عنها ثمة إدانة أو فضح لممارسات الإرهاب أو من يقفون خلفه، وأنا هنا أتحدث عن أطروحات لها علاقة بمقالكم فقط، من دون الخوض فى بقية الطريق، الذى ربما يطالعك فى مناطق أخرى منه قدر أعلى من الهزل الفادح والبائس معاً، من نوع أن الدولة هى من تقوم بالإرهاب، وهى من تقف وراء قتل مواطنيها، ولأنى استمعت بأذنى لمن يؤمن حقيقة بمثل تلك التخريجات، لا أخفيك انزعاجى الشديد من مطالعة طرحكم الذى يصور الدولة أى دولة وهى تأسر الإرهابيين، خشية أن تكون تلك من إشارات البداية لتخريجات تسير على ذات الطريق المشار إليه.. تقبل منى وافر الاحترام.