محمد سلماوى: أؤيد ترشح «شفيق والسادات وخالد على» لخوض انتخابات الرئاسة.. وواثق من فوز «السيسى» بفترة ثانية
الصحفى الكبير محمد سلماوى
«يوماً أو بعض يوم».. عنوان مذكرات الكاتب الصحفى الكبير محمد سلماوى، رئيس اتحاد الكتّاب السابق، وعند قراءة الكتاب نشعر كأن الزمن عاد إلى هذه الفترة الغنية بالكثير من التفاصيل، والتى تضم فى طيّاتها عزّة وانكسار المد القومى والعربى، وأيضاً الفنى والأدبى، لنجد عمالقة الأدب المصرى الحديث، نجيب محفوظ وتوفيق الحكيم وغيرهما الكثير، وفى نفس الصورة البديعة نرى كوكب الشرق وغيرها من نجوم الفن الكبار.
الكاتب الكبير لـ«الوطن»: تنبأت بـ«الثورة» على «مبارك» فى «أجنحة الفراشة»
فى شقته بحى المعادى، استقبلنا «سلماوى» بابتسامته المعهودة، وأخذنا فى رحلة سريعة للمحطات التى تعرّض لها فى كتابه الجديد، حتى وصل بنا إلى الواقع الراهن، تحدّث «سلماوى»، فى حواره الطويل لـ«الوطن»، عن عصور عبدالناصر والسادات ومرسى ومبارك وصولاً إلى عصر الرئيس السيسى، فـ«سلماوى» ليس أحد كتّاب التاريخ الذين يروون ما حدث وفق ما سمعوه، وإنما يكتب ما رآه وعاشه بنفسه فى هذه المرحلة المترعة بالأحداث، حتى إنه يقول: «لا أعرف هل من سوء الحظ أم من حسن الحظ أننى عشت فى هذه الفترة».. إلى نص الحوار.
كم من الوقت استغرقت كتابة مذكراتك؟
- أكثر من عام، فهذا الكتاب مذكرات وليس ذكريات، وهناك فرق بين الاثنتين، فالذكريات هى ما يتذكره الإنسان، أما المذكرات فيجب أن تكون مدقَّقة وموثَّقة، لذلك بحثت ودققت كثيراً فيما كتبته، وهو ما أخذ جهداً بحثياً وتوثيقياً كبيراً لأنه لا يعتمد فقط على الذاكرة، وإنما أيضاً على التاريخ، وهذا الكتاب تاريخ لشخص وفى نفس الوقت تاريخ لبلد، فقد وُلدت بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية، وتاريخ مصر منذ هذا التاريخ وحتى الآن أعتبره من أخطر فترات تاريخنا الحديث كله، وأكثرها ثراء، وهى فترة غاية فى الأهمية، ولا أعلم هل من حسن الحظ أم من سوء الحظ العيش فى هذه الفترة، فقد تأثرت بها فى بعض الأحيان وشاركت فى صنعها فى أحيان أخرى، إما بشكل مباشر أو غير مباشر، فقد شاركت مثلاً فى كتابة الدستور، وساهمت مع زملائى الكُتّاب والمثقفين فى الثورة والتصدى لحكم الإخوان.
وما الاعتبارات التى وجّهتك فى الكتابة؟
- أولاً الدقة فى كل ما أذكره من أحداث، وثانياً أن أكون صادقاً فيما أقوله حتى لو تعرّض الأمر لمسائل ليست بالضرورة إيجابية فى حياتى، فإذا نويتَ كتابة مذكرات فعليك أن تكتب كل شىء، السلبى والإيجابى.
الرئيس ينشئ صرحاً عظيماً.. وانتهى فى مدته الأولى من بناء الأساس رغم القرارات الاقتصادية الصعبة.. فدعونا نحصد الثمار فى مدته الثانية.. ورغم معاناة الناس ما زالوا يرون أن «السيسى» الأصلح.. ولا أرضى للرئيس أن يترشح وحده لفترة أخرى وتتحول الانتخابات إلى استفتاء
وما الدافع فى الأساس لكتابة المذكرات؟
- وجدت أن عندى تفاصيل عن أحداث عامة تهم الناس لكنها غير معروفة ولم يكتبها أحد، فهناك وقائع كثيرة شاهدتها خلال عملى فى جريدة «الأهرام» بعضها يتعلق بموضوعات سياسية مثل زيارة الرئيس السادات للقدس، وبعضها الآخر وقائع حدثت بين كبار المثقفين المصريين الذين كانوا يشغلون الدور السادس فى جريدة الأهرام، ولا يعرفها غيرى، وأبطال هذه الوقائع أثروا فى مصر والوطن العربى بل والعالم، مثل نجيب محفوظ وتوفيق الحكيم ويوسف إدريس وزكى نجيب محمود، وغيرهم، وحياتى معهم كانت بها وقائع، وقيل أمامى الكثير، أعتقد أنه كان واجبى أن لا أكتم هذه الشهادة.
إن كتابك قصة تمرد على طبقتك وعلى الكثير من الأفكار السائدة، حدّثنا عن هذه التحولات؟
- أنتمى إلى طبقة ملاك الأراضى الذين كانوا يسمون بالأعيان، وليست الطبقة الأرستقراطية، كونها شريحة عليا فى المجتمع، فقد وفّرت لى تعليماً جيداً وبيئة ثقافية جيدة، والتحول هو التناقض بين النشأة فى كنف هذه الطبقة، وبين الواقع المصرى الذى عشت فيه، فهذه الطبقة كانت مرفهة، وفى نفس الوقت كان الواقع من حولى يطالب بالعدالة الاجتماعية والاستقلال الوطنى وتذويب الفوارق بين الطبقات وتكافؤ الفرص ومجانية التعليم، وهذا التناقض كان له تأثير كبير علىّ، فسنوات التكوين الفكرى بالنسبة لى كانت فى ظل ثورة يوليو بكل مبادئها، وبدأت أشعر بأننى لا أريد أن أكون مجرد فقاعة على سطح المجتمع، ولا يجوز أن أمضى حياتى معيداً بالجامعة أدرّس للطلبة «شكسبير» فى بلد به 60% أمية.
متى دخلت العمل السياسى وما سر الصدام مع السادات وسياساته؟
- فى فترة الجامعة لم يكن لى أى اهتمام بالسياسة نهائياً، ولم أكن أحبها، كنت غاوى أدب وفن وثقافة، وفى الحقيقة فإن سبب انتمائى السياسى كان هزيمة 1967، وأرى أن الهزيمة، رغم مراراتها وقسوتها، قامت بعمل صحوة فى البلد وفى الوطن العربى كله، وبدأنا نسأل عما حدث وأين نحن، وكيف ننقذ أنفسنا، كما أنها أيقظت بداخلنا روح التحدى التى لم تكن موجودة قبل الهزيمة، وكان قبلها نوع من التواكل لأن هناك زعيماً يتولى أمور البلد بالكامل، ونحن جميعاً نعتمد عليه، والفترة من هزيمة يونيو ١٩٦٧ إلى انتصار أكتوبر ١٩٧٣ من أعظم الفترات فى التاريخ المصرى المعاصر، بالنسبة للشعور العام والتعبئة الوطنية التى كانت موجودة، وما ربطنى بالسياسة أننى أدركت أن هناك أموراً أعتبرها مسلّماً بها لكنها من الممكن أن تضيع، بعد رحيل عبدالناصر وقدوم السادات بدأت أشعر وكأن هناك خطة موضوعة لهدم كل إنجازات الفترة السابقة، فرأيت أن هناك معركة يجب أن نخوضها، وفى هذه الفترة كنت انتقلت للأهرام عام 70، والسادات بدأ التحولات الخاصة به، فوجدت أن كل شىء يُضرب، ووجدت نفسى فى موضع المعارضة، وسنة 1973 وقّعت على بيان توفيق الحكيم الذى كان يرفض حالة «اللا سلم واللا حرب» التى كانت سائدة، فوجدت نفسى مفصولاً من عملى أنا و104 من كبار الأسماء فى الحياة العامة من الموقعين على البيان.
لكن السادات أعادكم جميعاً إلى العمل قبل الحرب بأسبوع واحد، ورفضت العودة، فلماذا؟
- السادات أعادنا فى خطابه فى ذكرى رحيل عبدالناصر يوم ٢٨ سبتمبر ١٩٧٣ لأن هيكل اعتبر نفسه مسئولاً عنا وقال للسادات: كيف تدخل الحرب وأنت فى عداء مع المثقفين، فأعلن العفو عنا، لكننى رفضت العودة لرفضى أن أُفصل بقرار وأعود فى خطاب، وفجأة قامت الحرب وعبرت القوات المصرية القناة فوجدت نفسى بدون تفكير على مكتبى فى «الأهرام» أتابع تطورات الحرب فى برقيات وكالات الأنباء بالقسم الخارجى الذى كنت أعمل به.
حكم «عبدالناصر» كان فترة «مد» والسادات «جزر».. والأخير أطلق العقال للفكر المتطرف وتسبب فيما نعانيه الآن.. لكنه صنع انتصار أكتوبر
والسجن.. ماذا تغيّر فيك من جرّائه؟
- أعتقد أن تجربة السجن أكدت لى كل أفكارى ورسّختها، وكانت تجربة ثرية جداً، فالسجن عرّفنى على قاع المجتمع الذى ما كنت لأتعرف عليه فى حياتى مهما مشيت فى الشوارع أو خرجت فى مظاهرات، مجتمع السجن غريب جداً، واكتشفت فيهم المعدن الحقيقى للشعب المصرى، وأذكر أننى كنت جالساً وسط المجرمين والقتلة فى أول يوم بقسم المعادى وجاء لى أحد المساجين به علامة فى الوجه من آلة حادة، وقال لى: كم معك من نقود؟ فقلت له: هل تريد المال، فقال لى: «أنا عاوز أحتفظ لك به معى عشان محدش يقلّبك أثناء الليل»، فقلت له: «لا محدش هيسرقنى»، فقال لى: «شايف العشرة جنيه دى، من جيبك»، وفعلاً وجدت نقودى ناقصة عشرة جنيهات، فأعطيته الفلوس لأنه كان سيأخذها بطريقة أو بأخرى، وعلى الفجر وجدت ضابطاً ينادينى، وتصور المحبوسون أننى قد أفرج عنى وبدأوا يقولون لى: مبروك، لكنى خرجت من الحبس ليضعوا فى يدى الكلبشات ويتم ترحيلى إلى السجن، وناسى الفلوس طبعاً، ولو حتى فاكر لن أعود وأسال اللص عن المال، ووصلت إلى باب القسم فوجدت شخصاً ينادى الضابط، فنظرنا وإذا به من تصورته سرق مالى يعطينى ما أخذه منى، ومن شدة انفعالى لم أشأ أخذ النقود، لكنه قال لى: «دى فلوسك والله أعلم انت رايح فين»، وهذا هو المعدن المصرى الأصيل، حتى لو كان سارقاً أو مجرماً.
وماذا أيضاً؟
- اكتشفت أننى أصبحت أخشى الأماكن المغلقة ولم أكن كذلك قبل السجن، فالزنزانة التى حُبست بها فى سجن القلعة كانت مظلمة وعرض الحائط متر تقريباً، ويفتح الباب ويلقون لك الطعام، ولا تعرف الليل من النهار، وبعدما خرجت اكتشفت أننى مصاب بفوبيا الأماكن المغلقة، ثم ذهبت إلى سجن الاستئناف ووجدت حفل استقبال لنا، وكان معنا أحمد فؤاد نجم وأحمد الجمال وحسين عبدالرازق وفيليب جلاب والكثير، وفيليب مسجون قديم، وكان يعلم أن المسجون السياسى كلما كان كبيراً فى تهمته كان له احترام فى السجن أكثر، ووقتها كان السادات تراجع عن رفع الأسعار، وأعاد الدعم مرة أخرى، وكانت الصحف نشرت أننا رؤوس الفتنة، وكنت أنا وفيليب وحسين عبدالرازق ويوسف صبرى، والجميع يعلم أننا قادة المظاهرات التى خفضت الأسعار، والحقيقة أن هذا لم يكن صحيحاً، فلم أسر فى المظاهرات، وإنما كنت أكتب مقالات فقط، والاستقبال فى السجن كان استقبال أبطال، فقلت لهم: «إحنا مالناش دعوة، مش عاوز أروح فى داهية»، وفيليب جلاب قال: «لا لا.. اللى بينفى ده هو بس متواضع، إنما هو رأس الفتنة كلها»، لذلك العساكر كانت تحترمنا جداً.
نظام «مبارك» لم يكن سعيداً بى.. وكل المواقع التى شغلتها فى عهده بالانتخاب وعصره ينقسم إلى 3 مراحل.. و«شفيق» فقد صلته بالواقع المصرى خلال السنوات التى قضاها بالإمارات.. وبيان «الجزيرة» أبرز أخطائه
ما تقييمك لفترة حكم عبدالناصر ومن بعده السادات؟
- أيام عبدالناصر كانت فترة مد، وفترة السادات كانت جزر، وخلال المد كانت هناك أيضاً تراجعات وأخطاء، وفى فترة الجزر كانت هناك إنجازات وانتصارات، فعلى الرغم من المد التحررى الذى كان موجوداً على جميع المستويات فى عهد ناصر، والتنمية الكبرى وحركة التصنيع وقيادة العالم العربى، بل والعالم الثالث، فى نفس الوقت كان هناك موضوع الحريات والاعتقالات وقرارات اقتصادية ثبت عدم صحتها، كل هذه كانت نقاط تراجع فى التجربة الناصرية، أما فى فترة السادات، فقد كانت فترة تراجع كبيرة جداً، لكن كانت بها انتصارات كبيرة وصغيرة، ولا ننسى أننا اليوم إذا كنا نعانى من الفكر الدينى المتطرف فإن من أطلق وأفسح المجال لهذا الفكر كان السادات، ليس فقط بإطلاقهم من السجون مثلما قيل، وإنما أيضاً مكّنهم واستغلهم، وتصور أن بإمكانه أن يواجه اليسار بكل فصائله، ناصرى وغير ناصرى، عن طريقهم، ونشأت حركة الإرهاب المسلح فى الجامعة على يد الطلبة الإسلاميين، وهو ما ذكره عبدالمنعم أبوالفتوح فى مذكراته، دون أن تتصدى لهم الدولة، وكل ما نعانيه الآن هو من آثار هذه المرحلة، وكذلك الفجوة ما بين الأغنياء والفقراء التى نراها الآن، سببها أيضاً فترة السادات والانفتاح الاقتصادى، والتقرب أكثر من اللازم للغرب وأمريكا، لكننا لا نستطيع أن نغفل انتصار أكتوبر وما تلاه من استعادة سيناء بأى صورة من الصور، سواء كانت منقوصة السيادة أو غير ذلك، فهى فى حوزتنا وهذا انتصار لا يمكن إنكاره.
تحدثت أيضاً عن فترة الإلحاد التى مررت بها.. ماذا حدث وما الذى دفعك لكتابتها فى مذكراتك؟
- كان هذا فى فترة التمرد من سنوات المراهقة الأولى، وكنت أسأل: أين ربنا وما الذى يثبت وجوده، وتصورت أننى ملحد مثل بعض الفلاسفة والمفكرين الذين كنت أقرأ لهم، إلا أننى اكتشفت أننى فى دخيلة نفسى لست ملحداً، وأن فترة الإلحاد كانت فكرة ذهنية بحتة وليست عقيدة وجدانية عندى، بالمناسبة كان من الممكن ألا أذكر هذا فى المذكرات ولكن الأمانة هى التى دفعتنى للكتابة بصدق عنها.
هل هناك شىء ندمت على كتابته؟
- لا، وكل ما كتبته كان بإرادتى، حتى ما يمكن أن يسبب لى بعض الحرج.
متى سيخرج الجزء الثانى من مذكراتك؟
- أستعد لكتابته، وأتهيب المجهود الكبير الذى سأبذله، وتجهيز الوثائق والبيانات والتحقق من التواريخ وجمع الصور التى تكاد تشكل سيرة موازية، كل الصور الموجودة فى مذكراتى وهى ١٥٠ صورة، تُنشر لأول مرة، وأنا لا أعلم هل ما تبقّى من مذكرات سيكون جزءاً واحداً أو أكثر، فعندما بدأت أكتب كنت أتصور أننى سأكتب كل مذكراتى فى كتاب واحد، ووجدت نفسى كتبت 430 صفحة فتوقفت وقلت هذا جزء أول والباقى بعد ذلك.
ماذا عن علاقتك بمبارك؟
- لم تكن هناك علاقة مباشرة به، والتقيته عدة مرات فى لقاءات عامة، ولا أعتقد أن نظام مبارك كان سعيداً بى، وكل المواقع التى شغلتها فى فترة مبارك كانت بالانتخاب، ولم آخذ من نظام مبارك أى شىء، وأذكر أنه فى نهاية عهده التقى بمجموعة من المثقفين وطلبت منه خمسة ملايين جنيه لاتحاد الكتاب، فوافق على مضض، حتى ترك الحكم ولم أحصل عليها، رغم أننى تابعت الموضوع وقتها مع رئيس الوزراء ووزير المالية، وبعد الثورة قلت للدكتور حازم الببلاوى إن الحكومة مدينة لى بخمسة ملايين جنيه، لكنى لم أتحصّل إلا على مليونين.
قرار «ترامب» باعتبار القدس عاصمة لإسرائيل «أخرق» والغرض منه كسب تأييد اللوبى الصهيونى.. ورغم غطرسة «قرار القدس» فإنه أعاد الانتباه الدولى للقضية الفلسطينية بعد أن طُويت بسبب أزمات وحروب الشرق الأوسط
وكيف ترى عصره؟
- هو فى الحقيقة ثلاثة عصور، الأول منها هو أول عشر سنوات، وكانت فترة مهمة وجادة ومفيدة، ولو كان خرج من الحكم بعدها لدخل التاريخ من أوسع أبوابه، فقد تسلم البلد وهى على حافة حرب أهلية، ومصر مقاطعة فى محيطها العربى، ومهددة بإسقاط عضويتها فى دول عدم الانحياز الذى أسسته، ومعزولة تقريباً دولياً فيما عدا الكتلة الغربية، واستطاع مبارك بهدوء وحكمة أن يعيد البلد إلى الوضع الطبيعى له، وأعاد العلاقات مع العرب واستطاع أن ينقذ البلد بعد الانفجار الذى حدث باغتيال رئيس الجمهورية لأول مرة فى تاريخنا.
وماذا عن باقى العصور؟
- الفترة الثانية كانت هدوءاً وثباتاً حتى الموت، فلم يحدث بها أى تقدم من أى نوع، وقد كان يقال وقتها إن مبارك طيار وإن الطيار لا يغامر بالطيران دون أن يدرس المناخ الذى سيطير فيه، لكن فترة دراسته المزعومة طالت بأكثر مما ينبغى، وفى النهاية لم يُقلع على الإطلاق، أما الفترة الثالثة والأخيرة فكان دوره محصوراً فى قضايا محددة ومجالات معينة وهى الأمن القومى والسياسة الخارجية فقط، والباقى يديره من هم حوله بقيادة ابنه جمال، فالوضع الداخلى والحياة السياسية والحزبية والاقتصادية كان يضعها جمال وأصدقاؤه، وقد توقعت قيام الثورة فى روايتى «أجنحة الفراشة»، لأن الكل كان يتوقع حدوث شىء، ولم يكن أحد يعرف ما الذى سيحدث.
وكيف تقيّم حكم السيسى؟
- الأداء الرئاسى لا يقيَّم فى منتصفه، فقد انشغل فى الفترة الأولى بعمليات البناء والإصلاح، وانتهى لتوه من بناء الأساس، ويبقى أن نرى بقية الأدوار، وبذلك يكتمل حكمنا عليه بعد أن نجنى الثمار المنتظرة، وهى بلا شك مقبلة على المستوى السياسى والاقتصادى، فإذا أردت أن أقيّم المرحلة الماضية وهى بناء الأساس، أرى أنه أساس متين وسليم بالفعل، والحكم النهائى سيكون بعد انتهاء المرحلة الثانية من حكمه.
أنت إذاً على ثقة بأن الانتخابات المقبلة ستسفر عن فوز الرئيس السيسى؟
- أستند إلى أن الناس لن تتركه فى منتصف الطريق، وأن سبب تحمل الناس للمعاناة الاقتصادية الحالية أنها تريد من الرئيس أن يوصلها إلى مرحلة جنى الثمار، لذلك أتوقع فوزه فى الانتخابات على كل المنافسين لأن مشروعه لم يكتمل، والناس رغم كل معاناتها وشكواها ما زالت ترى أنه الأصلح.
وكيف ترى ترشيح أحمد شفيق؟
- أؤيده، لأننى أريد أن أرى انتخابات ديمقراطية حقيقية، ولا أرضى للرئيس السيسى أن يترشح وحده، وأن تتحول الانتخابات الديمقراطية إلى استفتاء على مرشح واحد.
ولكن كيف ترى طريقة ترشح «شفيق» وما تلاها من أزمات؟
- شفيق فقد صلته بالواقع المصرى خلال فترة الخمس سنوات الأخيرة التى قضاها فى المنفى الاختيارى خارج البلاد، والدليل هو الأخطاء التى ارتكبها حتى الآن، وأبرزها خطأ إذاعة حديثه على قناة الجزيرة، سواء كان بعلمه أو بدون علمه، فإذا كان غير قادر على التحكم فى اختيار المنصة التى يطلق منها كلمته، فكيف سيدير البلاد؟ كما كان بيانه الذى تحدّث فيه عن أنه ممنوع من السفر، هناك وسائل أخرى أكثر حنكة سياسية لتسريب هذا الخبر دون أن يتحمل هو مغبّة هذا التصريح الذى جعله يبدو أمام الشعب المصرى وكأنه غير ممتن للدولة التى قامت بحمايته، لكنى أؤيد ترشحه وكذلك ترشح أنور عصمت السادات وأيضاً خالد على ممثل اليسار، لنرى انتخابات حقيقية تليق بالبلد وأعرف مسبقاً بسبب الأوضاع الحالية والمزاج العام وقراءتى لمشاعر الجماهير أن الفائز هو الرئيس عبدالفتاح السيسى.
كيف ترى قرار «ترامب» باعتبار القدس عاصمة لإسرائيل؟
- قرار أخرق، لأن كل الرؤساء قبل «ترامب» لم يقدموا على تنفيذه رغم صدور قرار من الكونجرس بالاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل، و«ترامب» نفسه الذى قال إنه سينقل السفارة قال إن هذا سوف يأخذ سنين حتى يتم، إذاً لماذا هذه الزوبعة التى أثارها؟ لقد كان الغرض من هذا الإعلان هو كسب تأييد اللوبى الصهيونى فى الولايات المتحدة، بعد إن انقلبت ضد «ترامب» كل فئات المجتمع الأخرى، بل إن المعارضة له امتدت إلى صفوف حزبه نفسه، وهو ما كان يهدد بمحاكمته حسب نص القانون، لكن قراره المتسرع وغير المدروس أدى إلى نتائج كارثية للولايات المتحدة ليس أقلها ذلك الانعزال الذى أدخل فيه أمريكا حتى مع أصدقائها المقربين فى أوروبا، وقد ثبت فى الأمم المتحدة أن كل العالم تقريباً ضد هذا القرار، على أننى أرى أن هناك جانباً إيجابياً فى هذا القرار المشئوم الذى يساوى وعد بلفور، وهذا الجانب هو إعادة الانتباه الدولى مرة أخرى إلى القضية الفلسطينية وإلى الحقائق الأساسية للقضية بعد أن كانت قد طُويت إلى حد كبير بسبب المشاكل الأخرى التى نشأت فى الشرق الأوسط من الاقتتال الداخلى والإرهاب، لكن ما حدث بالنسبة للقدس ذكّر الناس مرة أخرى فعادت كل الأصوات تردد مرة أخرى أن القدس هى أيضاً عاصمة الدولة الفلسطينية، وأن مصيرها لا يتم تقريره فى واشنطن، وذكّرت هذه الأزمة الناس بالقرارات الدولية التى وافقت عليها كل دول العالم بضرورة الاعتراف بالدولة الفلسطينية وبعاصمتها القدس.